في حادثة أليمة هزت أركان المجتمع السعودي، توفي الطالب معتز الحارثي نتيجة للمشاجرة التي وقعت بينه وبين رفيق له في مدرسة بشر بن الوليد في العاصمة الرياض.. والتي وقعت أثناء الفسحة بعد شجار بين الطالبين وخنق الطالب حتى فارق الحياة كما وثقت كاميرات المدرسة ذلك وإفادة شهود عيان.
مشهد درامي ربما تستغله شركة هوليود لإنتاج فيلم جديد يصور المشاهد المؤلمة التي قد تستنفر القائمين على التربية والتعليم وضرورة إعادة الحسابات في الأساليب التربوية في التعامل مع الأطفال من خلال المؤسسات التربوية، فالكل مسؤول (الأسرة، المدرسة، وسائل الاعلام، وخطباء المساجد...).
والجانب الإنساني في القضية تنازل الأب عن (الدية) والتي هي واجب في القصاص كما قال تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) بالرغم من ديونه وقد ضرب أروع الأمثلة في العفو وأنه ليس من أولئك الذين يتاجرون بالدماء وبالملايين التي يعجز أصحاب الدية عن الوفاء بها ويبدأ المجتمع بجمع الأموال لهم فلا يبارك الله بها لأنها جمعت بتعنت ترصدها العيون والنفوس.
أعود للحادثة المؤلمة فلا يمكن أن تمر دون اعتبارات تربوية واجتماعية فالطفل الذي يخنق آخر حتى الموت تعرض إما لأساليب عنف أسري أو من خلال إدمانه على الألعاب الإلكترونية دون توجيه من الوالدين والتي تحث على القتل.. فكيف بطفل يدرك الطريقة التي يقضي بها على الخصم!؟.. حيث كشفت تحقيقات المدرسة أنه تابعه عدة مرات واسقطه على الأرض وخنقه!!. أو أنه تعرض لإهمال تربوي ..فحتى حينما يتشاجر الصغار لا بد من التوجيه السليم من الوالدين عند فك النزاع وتوضيح مخاطر العنف وعدم استخدام أي آلة حادة أو عدم وصول اليد عند موضع الرقبة.. وغيرها من التوجيهات التي يفترض أن تقوم بها المدرسة أيضاً حتى لا نصل إلى مثل تلك المشاهد المؤلمة وأين؟ في مدرسة ابتدائية..! فكيف إذا وصل الحال بهؤلاء الطلاب إلى الثانوية وهم يحملون سلوكيات العنف والتنمر؟.
ثم إن تكدس الطلاب في الفصول والساحات وحرارة الأجواء يخلق جواً من التوتر النفسي للفرد وقد يكون عاملاً مساعداً على ظهور الغضب السريع.. بالإضافة إلى قلة عدد المعلمين المشرفين على الساحات في الفسحة وعند الانصراف مما يحتم ظهور مشكلات تربوية كثيرة.
نعم حادثة هذه الروح البريئة التي أزهقت لابد من عقوبات تشمل أسرة الطفل وتكون في (الحق العام) لتكون عبرة للأسر في الاهتمام بالتربية وقد رأينا مشهد تعرض رضيع لطلقات رصاص.. فهذا العنف يبقي شرخاً في نفسه يعرِّضه لأمراض نفسية جمة..وهذه مسؤولية الأم في حماية الطفل من الإيذاء من أي شخص كان..
كما أن دور الوالدين في تقويم سلوكيات الابن منذ نعومة أظافره مهم جداً؛ فالعنف لا يقابل بالعنف وإنما بأخلاق الرسول الكريم الذي قال للرجل الذي سأله أن يوصيه فقال: «لا تغضب». كما لا بد أن تقوم وزارة التعليم بإخضاع هذا الطفل وأمثاله لدورات تربوية مكثفة عن حسن التعامل مع الأقران فالصفح والعفو من شيم الكرام، والرفق ما كان في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه. وأين هم من قوله تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا).
كل تلك القيم لابد من بثها من خلال المناهج والمناشط المدرسية فحصص النشاط التي ألغيت لعدم توفرميزانية تشغيلية لها من الوزارة لا بد أن تستغل باستخدام القوى الناعمة في تهذيب سلوكيات الطلاب والطالبات عن طريق المسرحيات والفنون وتطبيق ما يذخر به ديننا الإسلامي من قيم لأن أثرها سينعكس على الفرد والمجتمع بالوئام والاستقرار وفي الآخرة بدخول الجنة.