في كل مرة أعود الى بيتي بالتجمع الخامس بالقاهرة يحلو لي أن أمرّ إليه عبر نفق اللواء باقي زكي يوسف!
ويزداد حجم الفرح والشعور بالفخر اذا ما دلفت إليه قادماً من كوبري الفريق سعد الدين الشاذلي!
واذا كان البطل الفريق الشاذلي قد أخذ ما يستحقه من إنصاف بعد سنوات من التجريح والتشويه المتعمد لأحد أبطال حرب أكتوبر ١٩٧٣ فإن اللواء باقي يستحق مني ومن كل أبناء جيلي والجيل السابق واللاحق وقفات ووقفات.
لقد كان مفتاح النصر في حرب أكتوبر هو إزالة خط بارليف الإسرائيلي الحصين. إنه الساتر الترابي الذي ظنت إسرائيل أنها يمكن أن تعيش خلفه في أمان، قبل أن يتفرغ ذلك القائد القبطي المصري رئيس فرع المركبات بالجيش الثالث الميداني لدراسة الموقف والتوصل لآلية وكيفية إزالته.
في قرية مجاورة لقريتي انخرط اللواء باقي خريح هندسة عين شمس مع خلاصة العقول المصرية من الضباط والمهندسين في إجراء تجارب الإزالة، مستغلاً خبرته التي تكونت من عمله في مشروع السد العالي.
وفي عام ١٩٦٩ تكونت وتبلورت فكرة استخدام ضغط المياه لإحداث ثغرات كبيرة في الخط الإسرائيلي وأصبحت جاهزة للتنفيذ صباح السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣.
أتذكر جيداً أن قريتي كانت ساحة لتجمع أرتال السيارات والمعدات الميكانيكية العسكرية، قبل وبعد التوجه لمكان التدريب على أحد فروع النيل.. ومع دخول كل سيارة يملؤني الشعور بالفرح والفخر، فأطلق ساقي للريح مجمعاً ما أمكن من الأصدقاء «الأطفال» لتحية المقاتلين.
إنه نفس الشعور الذي يتملكني الآن كلما مررت بنفق التسعين الشمالي الذي أطلقوا عليه اسم اللواء باقي.
كنت أتوق بين الحين والآخر للمرور عبر نفق الشهيد أحمد حمدي الرابط بين قارتى أفريقيا، وآسيا، ويربط شبه جزيرة سيناء بمدينة السويس.
إنه النفق الذي يحمل اسم قائد وحدات الكباري بسلاح المهندسين في حرب أكتوبر والذي أعطى لمعركة العبور كل حياته، فأنشأ المعابر التي عبر عليها الجيش المصري من الغرب إلى الشرق قبل أن يستشهد أثناء إصلاح أحد الكباري.
إنها نسمات أكتوبر تهب علينا من كل صوب فتحيي فينا روح الأمل في العبور من كل الكبوات.. وتُعلي فينا قيم التضامن للتغلب على كل السقطات..
إنها أنفاق العبور من مستنقعات اليأس والفساد والغرور والفهلوة والاستبداد بالرأي الواحد إلى ساحات العمل الجماعي القائم على التخطيط والتفاني والتجرد والإخلاص.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
