لاشك بأن طلابنا وطالباتنا في جامعاتنا ومدارسنا والمبتعثين منهم خارج الوطن هم المستقبل الذي سيبنى على أكتافهم وطننا الحبيب بكل مكوِّناته، فهُم الثروة المستدامة، وهم الأمل المشرق بإذن الله، والخريجون منهم، سواء من مرحلة التعليم العام باتجاه الجامعات أو باتجاه سوق العمل، يُواجهون إشكالية المصير المجهول، نظراً لضبابية وعشوائية المستقبل المنظور أمامهم، فطلبة التعليم العام عندما ينهون دراستهم الثانوية، يقعون حيارى الاختيار بين المرغوب لديهم، انطلاقاً من الميول والرغبات، وبين المتاح انطلاقاً من المتوفر أمامهم في الجامعات، فنراهم يقفون وأولياء أمورهم حائرين عاجزين بين ميول أبنائهم ورغباتهم العلمية والمهارية، وبين المتاح أمامهم، مما يضطر الكثير منهم إلى اختيار ما لم يرغب فيه ويميل إليه علمياً ومهارياً، خوفاً من البقاء رهيني المنازل، لعدم توفُّر الميادين الكفيلة بتأمين مستقبلهم، وهذا الأمر المستدام غالباً ما يترتب عليه الكثير من القضايا الاجتماعية والسلوكية والأمنية، في ظل محدودية المسارات، أو عدم ملاءمتها، لذا أتمنى من الجهات ذات العلاقة، وخاصة الجامعات بمختلف اتجاهاتها، أن تراعي ذلك في تسجيل الطلاب من خلال إجراء الدراسات اللازمة لتحديد احتياجات سوق العمل، وتحديد معدل رغبات الطلاب على بعض التخصصات، وبالتالي تكثيف أعداد الطلاب المقبولين في تلك التخصصات، ما دام سوق العمل يحتاجها، كما أتمنى من وزارة التعليم أن تتخذ من برامج قياس معياراً لتحديد اتجاهات الطلبة والطالبات، وبالتالي توجيههم وفق تلك التخصصات، ويكتفى بذلك عن برنامج السنة التحضيرية الذي أرى أنه إهدار للوقت والمال في ظل وجود برامج قياس، وكم أتمنى من وزارة التعليم أن تتخذ من التعليم عن بُعد بديلاً يحل المشكلة، بحيثُ يكون قادراً على استيعاب أولئك الطلبة، لكن وفق شروط ومحددات دقيقة، وأن تلغى جميع الرسوم المتقاضاة من الطلبة، أو أن تكون رسوماً مخفضة وفي متناول الجميع، وأن تكتفي بنظام الانتظام للطلبة المتميزين، ولعل الطالبات الأكثر طلباً وإلحاحاً لمثل ذلك لصعوبة تنقلهن وبُعدهن عن أسرهن، وفي جانبٍ آخر نعلم أن التنامي في عدد السكان، وخاصة الفئات السنية الصغيرة، يكون مضاعفاً، وخاصة في السنوات الأخيرة، لذا يستوجب أن يُؤخذ ذلك في الاعتبار عند قبول الطلبة والطالبات، بأن يوازي ذلك نمو في أعداد الطلبة المقبولين عاماً بعد عام.
أما في جانب الخريجين من التعليم العالي أو المتوسط باتجاه سوق العمل، فقضيتهم أعمق وأكثر تشابكاً، في ظل تنامي أعدادهم كل عام، وفي ظل إحجام القطاع الخاص عن احتوائهم، وفي ظل عدم التخطيط لحاجة سوق العمل للتخصصات المطلوبة، ويقيني أن بلادنا التي تعيش نقلة تنموية واسعة النطاق، ووهبها الله ثروة هائلة، قادرة على استيعاب كافة أبناء الوطن، وتوجيههم وفق ما تحتاجه العملية التنموية، فيكونون بذلك الأقرب والأقدر والأكثر وفاءً وإخلاصاً لتسييرها برمتها، لكن أن يبقى الحال على ما هو عليه الآن وقبل أعوام خلت، ستكون النتيجة حدوث الكثير من الممارسات غير المحمودة، وخاصة في ظل تلك الأعداد الهائلة من الخريجين المبتعثين إلى الخارج، والذين سيأتون قريباً بفكرٍ جديد ومهاراتٍ فائقة التدريب، وطموحٍ عالٍ، فإذا لم يستوعبهم الوطن، فسوف يترتب على ذلك حالات الإحباط لديهم ولدى زملائهم بتلك الدول التي ابتعثوا إليها، لذا يستوجب أن يلتفت إلى ذلك من قِبَل الجهات المعنية، وبما أننا الآن نخوض غمار خطتنا التنموية 2030، والتي يعد بناء الإنسان أحد أهم ركائزها، فإني أتمنى أن يُنظر لهذه القضية بعين الاعتبار. والله من وراء القصد.