أواصل الحديث عن بعض ما حوته المناهج الدراسية من دروسٍ وجد فيها مخططو الإلحاد منافذ لمحاولة دفع بعض أولادنا إلى الإلحاد، مثل القول بالناسخ والمنسوخ في القرآن الذي تحدّثتُ عنه في الحلقة الماضية، كل تلك الافتراءات على كتاب الله الكريم للفهم الخاطئ لآية: (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا)، والتي تتحدّث عن نسخ شريعة موسى عليه السلام بنسخ آيات منها طبق الأصل، أو إنسائها بخير منها كقوله تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ...).
نعلم أنّ الله قد تعهَّد بحفظ كتابه، ومكتوب منذ الأزل في اللوح المحفوظ، فالقول بنسخ آيات مثبتة في اللوح المحفوظ وإزالتها من القرآن المتلو، ينفي هذه الأبدية لحفظ القرآن في اللوح المحفوظ، ويجعلها فرضية وهمية، وهذا ما يقوله «الملحدون»، وهذا أحد مكامن خطورة القول بالناسخ والمنسوخ، أي ببطلان أحكام بعض آيات القرآن؛ إذ يثير الشكوك في صحته، وكان من أسباب إلحاد بعض شباب الإسلام؛ إذ وجدوا أنّ قضية الناسخ والمنسوخ تتصادم مع آية: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)، والكم من الآيات التي يقول القائلون بالنسخ وقع عليها النسخ والتغيير والتبديل والزيادة والنقص، وتحويل الحرام حلالًا، والحلال حرامًا تُثبت أنّ في القرآن اختلافًا كثيرًا، جعلت الملحدين يقولون: «إنّ القرآن بهذا قد حكم على نفسه بأنّه ليس من عند الله».. (تعالى الله عمَّا يصفون).
أمّا فيما يتعلق بالمرأة وعلاقاتها الزوجية والأسرية ومشاركتها في الحياة العامة، من المنافذ الخطيرة التي أوجدها معدّو المناهج الدراسية التي ينفذ منها مخططو الإلحاد لدفع بعض أولادنا وبناتنا على وجه الخصوص إلى الإلحاد، بِدءًا بنظرة معدّي المناهج الدينية للمرأة، ونظرة الخطاب الديني المفسَّر من قِبَل البشر، طبقًا للموروثات الفكرية والثقافية لمجتمعاتهم في جاهليتها، هذا الخطاب الذي تبنَّته جماعة الإخوان الذين تولوا مهمة نشره من خلال المناهج الدراسية في كثير من البلاد العربية والإسلامية، ومن ضمنها بلادنا، لتغلغلهم في المؤسسات التعليمية في تلك الدول.
فالمرأة في بعض مناهجنا هي المخلوق الأدنى الناقص الأهلية على الدوام، إلّا في حال تطبيق القصاص والحدود والتعزيرات، إن ارتكبت جريمة ما أو جُنحة، أمّا فيما عدا ذلك، فهي ناقصة الأهلية، ولابد من خضوعها لولي أمرها، حتى لو كان ابنها الذي ربّته، وتُنفق عليه، فلا تتعلم ولا تعمل ولا تخرج من بيتها، ولا تسافر إلّا بإذنه، فهي التابع الخانع له الذي له حق ضربها بدعوى تأديبها، كل هذا يُمارس باسم الشرع طبقًا لفهم بعض المفسرين للآيات المتعلقة بالمرأة كآيتي القوامة والنشوز، فأعطوا للذكور حقوقًا يمارسونها على النساء ليست لهم؛ وأيّدوا ما يمارسونه معها بأحاديث ضعيفة وموضوعة، ولم تكتفِ نظرة مناهجنا الدراسية للمرأة على هذا، بل نجدهم فرضوا وصايتهم عليها، فحدّدوا لها ما تتعلّمه، وما لا تتعلَّمه، وحصروها في مهنٍ معينة، وربطوا تعليمها وعملها بموافقة ولي الأمر وبالضرورة، كما نجدهم أقصوها عن المشاركة في الحياة العامة لعدم تفريقهم بين الخلوة المحرّمة وبين الاختلاط المباح، وتدخلوا في ملبسها ومظهرها، وفرضوا على المرأة تغطية وجهها أمام الرجال الأجانب، وحكموا عليها بتغطية سائر جسدها، بحيث لا يبدو منها سوى شعرها وكفّيها وقدميها في بيتها عند جلوسها مع محارمها، وبين بنات جنسها، وذلك لنقلهم الفهم الخاطئ لتفسير آيات الحجاب، ولم يُحاولوا إعادة قراءتها، وقراءة الأحاديث النبوية التي تصف وجوه بعض النساء كسعفاء الخديْن، والتي تؤكد عدم وجوب تغطية الوجه.
هذه نظرة مناهجنا الدراسية للمرأة، المليئة بالمنافذ التي يحاول مخططو الإلحاد أن ينفذوا منها إلى عقول بعض أولادنا وبناتنا على الخصوص، لدفعهم إلى الإلحاد بالخالق جل شأنه وبدين الإسلام، بل تدفع ببعض بناتنا إلى الهروب من بلادهن بطلب اللجوء إلى دول أُخرى، وللأسف لا تزال تُدرّس في مدارسنا، فلم يحدث أي تغيير في مناهجنا الدراسية هذا العام، رغم بياني لذلك!!
للحديث صلة.