في زيارته الأخيرة للسعودية، قدم الرئيس الروسي بوتين هدية مميزة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله- وهي عبارة عن (صقر حر أبيض)، ومن وجهة نظري تحمل هذه الهدية الكثير من الأبعاد السياسية والثقافية؛ فالصقر يُحلِّق عالياً في السماء، وذو بصر حاد، ويلتقط أدق التفاصيل على الأرض، ليتخذ قراره في أهدافه؛ فأراد الإيعاز بأن روسيا والمملكة تُحلِّقان في سماء المجد، وببصيرةٍ عالية للمحافظة على التوازنات الدولية والإقليمية.
وأما من الناحية الثقافية، وهي موضوع مقالي فهي: معرفته بالثقافة السعودية، وأن السعوديين مفتونون جداً بصيد وتربية واقتناء الصقور، وأن هناك تظاهرة ثقافية في الرياض تتمثَّل في إقامة معرض للصقور الذي يجمع هواة الصيد من مختلف أنحاء العالم، وشهد إقبالاً كبيراً، حيث وصل أكثر من 370 ألف زائر خلال ثلاثة أيام، فهو إرث حضاري عريق عند أبناء الجزيرة العربية. وإقامة معرض له لهي تظاهرة ثقافية ترفيهية، تدل على أن الثقافة مصدر جذب للآخرين.
وليس أدل على أهمية ارتباط الترفيه بالثقافة من انتشار فيديو عن خبير الترفيه د. إدوارد، حينما سُئل عن أهم توصياته للترفيه في السعودية، فكانت إجابته: «بأن المحافظة على الثقافة هي أهم عنصر لجذب السياح من أنحاء العالم، لأنها ثقافة مميزة عن الآخرين، فالعالم يريد التعرف على التراث والقِيَم الإسلامية والعادات والتقاليد وطريقة اللباس والأكل، وحتى في انفصال الرجال عن النساء في مجالس خاصة، هذا ما يريده السائح الأجنبي.. لا يريد أشياء مزيفة عن الصين مثلاً، ولا يريد أن يأكل في مطاعم ماكدونالدز، ولكنه يريد أن يرى الثقافة السعودية الأصيلة، وأن يأكل المندي والكبسة.. كما قال: «لا تُغيِّروا ثقافتكم، إذا غيِّرتموها فتخسرون هويتكم الأساسية»، وأظن أنها نصيحة غالية لابد أن نعيرها شيئاً من الاهتمام.
وقد أحسنت الهيئة العامة للترفيه بإقامة (منتدى صناعة الترفيه) في الفترة من 13-14 أكتوبر، لتسليط الضوء على مسيرة ومستقبل الترفيه باستقطاب 60 جهة دولية عارضة للترفيه. ولكي نعمل على تحقيق أهداف الترفيه ومن ضمنها: «تطوير مميزات المملكة التي تجعل منها وجهة سياحية رئيسية في الخارطة الدولية».. فلابد من أن تكون الثقافة مصدر جذب للآخرين، وتهيئة الأماكن السياحية التاريخية التي تزخر بها المملكة، ونجعلها تتصدَّر الترفيه؛ فهناك على سبيل المثال القصور التاريخية والآثار في جميع أنحاء المملكة، والتي لا زالت خاماً ولم تتطوَّر، ومنها على سبيل المثال: وادي العقيق بالمدينة المنورة، وبها قصر سعيد بن العاص، ومروان بن الحكم، وغيرها من القصور التي لم تتهيَّأ لتكون مصدر ثراء تاريخي وديني وحضاري.
وإذا أردنا تسويق الثقافة السعودية الناعمة؛ لتكون أحد أسلحتنا السياسية والفكرية، يكون ذلك في تعزيز الهوية الوطنية عبر الثقافة، والتي تشمل: الدين، اللغة، التراث، الفنون الشعبية.. إلخ، وإظهارها من خلال مبادرات وفعاليات وأنشطة.. التي تعمل على خلق مجالات الفرح والمرح عبر المسارح والأنشطة الكوميدية عن: جحا، وأشعب، والقصص والنوادر الشعبية عبر التاريخ الإسلامي وقصص الصحابة وقصص القرآن الكريم، وتكون في أفلام ومسرحيات؛ فما أروع قصة السيدة مريم وهي تقول: (يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا)!! فأين الفنانون السعوديون والمنتجون للأفلام من إنتاج أفلام ومسرحيات تتناول هذا الطرح، ففيلم (بلال)، الذي أخرجه الشاب (أيمن جمال)، لاقى أصداءً عالمية وتعريفاً بحضارة الإسلام؛ وهذه القوى الناعمة هي المؤثرة في صورتنا العالمية، فتحترمنا الشعوب والدول لاحترامنا لثقافتنا.. فهل نتجه صوب بوصلة الرؤية بهويتنا الثقافية؛ أم بهوية الآخرين؟!.