لم يستوعب عدد من ساسة لبنان حتى الآن مطالب الشارع اللبناني، لم يُصدِّقوا أن هناك ثورة جياع وعاطلين ومتضررين من سياساتهم.. ودفع جبران باسيل، رئيس التيار الوطني الحر، بأعداد من حزبييه ومناصريه إلى الشارع تحت غطاء الدفاع عن ميشال عون، رئيس الجمهورية، وسياسات نظامه. فالرجل، جبران باسيل، خائف من أن تطير فرصته في الرئاسة القادمة بعد أن وعده والد زوجته وراعيه بمساندته للفوز بها، وسعى لإقناع حزب الله بذلك. تجاهل عون وباسيل وحزب الله وغيرهم من السياسيين أن الثورة القائمة في الشارع هي بسبب تصرفاتهم وأفعالهم. إذ هيمن الحزب على لبنان بقوة السلاح والرعب، وفرض رئاسة عون على البلد ومعه زوج ابنته، جبران باسيل، الذي تعرَّض لشتيمةٍ قاسية في الشارع الثائر بسبب تعاليه وتصرفاته غير المقبولة حتى مع رفاقه من السياسيين، حيث كان يتعامل مع رئيس مجلس النواب بغطرسة وتعالي، وتعامل مع الرئيس سعد الحريري كأنه موظف بانتظار تفضّله بإصدار أوامره إليه.
واتهم حسن نصر الله الثوَّار الذين خرجوا للشارع بأنهم مرتزقة، تقوم السفارات الأجنبية في لبنان بتمويلهم وتوجيههم، ورَفَعَ سبَّابته وهو يُلقي خطاباً متلفزاً من مكان مجهول ليقول: إن سبَّابته هي مجرد أصبع، وإذا كان أحد يخاف منها، فعليه أن يخاف. وأرسل مرتزقته بلباسهم الأسود ودراجاتهم النارية لتخويف وإيذاء المعتصمين في شوارع بيروت، لولا أن تدخَّل الجيش وأوقف مذبحة، كان يمكن أن يؤدي إليها دخول مرتزقة الحزب على المعتصمين. وسارع فريق عون وباسيل إلى اتهام خصومهم السياسيين بالوقوف خلف المظاهرات والاعتصامات والثورة الشعبية. وتساءل نصرالله وعون وباسيل في كلماتهم المتلفزة عن أسماء ووجوه قيادات الثورة، ربما للتفاوض معهم أو لتصفيتهم بالسجن، إن تناولتهم أدوات الدولة، أو التصفية الجسدية إن سبقت إليهم أجهزة الحزب الحاكم (حزب الله). لكن تعدد الجماعات التي تقف في الشارع، وأيَّدت الثورة أو قامت بها وتنوع توجهاتها جعلها بدون قيادة يمكن للشارع مجتمعاً أو في غالبيته أن ينصت لها. وقال أحد المتصدرين للانتفاضة: إن من الأفضل أن لا تكون هناك قيادة حتى تحرم النظام القائم من الشرعية التي يمكن أن يحصل عليها لو تفاوض الثائرون معه. الحقيقة الوحيدة في كل الثورة اللبنانية هذه أن الذين تسبَّبوا بها هم الطبقة المهيمنة والحاكمة ابتداءً من حسن نصر الله وانتهاءً بجبران باسيل.
ويبدو أن الوحيد من الحاكمين الذي وصلته رسالة الشارع الثائر كان رئيس الوزراء سعد الحريري حين سارع لتقديم استقالته الثلاثاء الماضي، برغم التحذير والتهديد الذي تعرَّض له حتى لا يستقيل، وذلك بعد أن أعلن نصرالله في خطابه المتلفز وكرَّره بعد ذلك أن إسقاط الحكومة مرفوض، واستقالتها غير مقبولة. وقد لا تكون الاستقالة، وبالتالي سقوط الحكومة، مرضية للشارع الثائر. إلا أنها خطوة في الاتجاه الصحيح، وبداية لابد منها لتحذير الساسة الآخرين إلى أن استمرار الحال، كما هو عليه، من المحال. لكن خروج التيار الوطني الحر إلى الشارع يُقدِّم دليلاً آخراً على مدى استعلاء وغباء قيادة التيار برئيسها جبران باسيل، إذ أن تحدي الشارع الثائر ليس بالأمر السليم، وستكون له عواقبه، ثم أن مطالب المواطنين الثائرين ليست تحدياً لجبران باسيل وعون وحسن نصرالله، ولكنها تحمل مطالباً أولها الخلاص من القيادات اللبنانية السياسية الحالية، وإيقاف السرقات والفساد، وتحقيق لقمة العيش الكريمة للمواطن في بيئة سياسية وأمنية تريح الناس ولا ترعبهم وتهددهم.
خروج مظاهرة التيار الوطني الحر إلى الشارع، (والتي تمت في الوقت الذي أكتب فيه هذا المقال، وبالتالي من الصعب معرفة ما تلاها)، تدل على أن الاتجاه السياسي السائد، على الأقل مع رئيس التيار باسيل ورئيس الدولة راعي التيار، هو السير في نفس المسار السابق، ولذا فإن الأمور لا تُبشِّر بخير. ومن المسلم به أن ما بدأ في شوارع بيروت، لن ينتهي حتى تنتهي مسبباته، وأتوقع استمرار الاضطرابات عبر مظاهرات واعتصامات لأسابيعٍ عديدة قادمة، ومحاولات لوقفها قد تصبح دموية؛ إن لم يقف الجيش في وجه مَن يرغب إسالة الدماء فيها.