Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. عادل خميس الزهراني

قيمة العمل الأدبي: أين تكون؟ وكيف تكون؟

A A
لا تزال مسألة «القيمة» في العمل الأدبي تراوح مكانها في النقاش بين الفلاسفة والنقاد.. ولا تزال القيمة نهباً للصراع الذي يمتد من تعريفها، ولا ينتهي بتحديد موقعها وطبيعتها، ورسم ملامحها وحدودها.. ولعلي أحيل هنا إلى الفصل الأخير من كتاب تيري إيقلتون (كيف نقرأ الأدب)، أعني الفصل الذي يحمل عنوان (القيمة)، ويفتتحه بالسؤال:

«ما الشيء الذي يجعل من العمل الأدبي عملاً جيداً أو رديئاً أو وسطاً ليس بالجيد أو الرديء؟».

يسرد إيقلتون عدداً من الإجابات المتكررة لدى نقاد الأدب، مثل: «عمق البصيرة، والواقعية، والأصالة، والوحدة الشكلية، ونيل الإعجاب الشامل، والتعقيد الأخلاقي، والابتكار اللفظي، والرؤية التخييلية»، وغيرها.. ثم يخصص بقية الفصل لإثبات أن كل معيار من المعايير المطروحة لا يمكن الوثوق به تماماً ليمثل إجابة شافية لهذا السؤال.. رغم أن هذا المعيار أو ذاك يمكن أن يكون تبريراً مقنعاً لجودة عمل أو شهرة آخر وفقاً لظروف العصر والثقافة، وديناميكية اللحظة، فهو يثبت بالدليل والتحليل أن قيمة بعض الأعمال الأدبية ليست ثابتة كما نظن.. بل تتغير عبر الزمن.

فأين تكمن «القيمة» في العمل الأدبي؟ وكيف أقبض عليها؟ وأطمئن إلى أني لم أقبض على «ماء»؟ وما الذي يجعلني أفضّل نصاً على نص؟ أي -بتعبير آخر- ما الذي يجعلني أحكم على نص ما مؤكداً على أن قيمته تفوق قيمة عملِ آخر؟

رغم أن هذه أسئلةٌ للنظرية الأدبية منذ بداياتها.. إلا أن أسئلة القيمة -كما يبدو لي- فلسفية في الأساس؛ تتجاوز الأدب لتمس طبيعة الجمال، وطبيعة النفس البشرية، وطبيعة التكوين الاجتماعي وصيروراته التاريخية.. وهي أسئلة معقدة وصعبة كما نعلم.

ولعل أحد أهم عوامل صعوبة الإجابات حول مسألة «القيمة» كما يرى الفيلسوف الفرنسي لويس لافيل تكمن في ارتباط القيمة بالحكم.. إذ يرى أنه «لا توجد كلمة لها علاقة قرابة مع القيمة مثلما هي كلمة الحكم»، ولعل مرد ذلك لأنه لا يمكن «القبض على القيمة في الموضوعية الأكثر إلحاحاً للقيمة، إلا من خلال الفعل ذاته الذي نتعرف به إليها». هذا يعني أن «الحكم هو من يمنح القيمة صفة الوجود، وإلا كانت القيمة محض سراب». من هنا لا يمكن الفصل بين القيمة والماهية الإنسانية من جهة، والوجود من جهة أخرى، «ذلك أن القيمة ترتبط بالماهية الإنسانية المشتركة التي يحملها كل فرد في أعماق نفسه». يذكرني هذا التحليل بالرأي الذي ذهب إليه بيرتراند راسل حين أكد أن «المعرفة ضرب من الاتحاد بين ما هو ذات وما هو غير ذات».

وقد أشار الناقد الدكتور صالح زياد إلى هذه العلاقة بقوله: «وينتهي أمر القيمة هكذا... إلى تعليقها بهما معاً (الذات والموضوع)؛ فهي ليست ذاتية مجردة عن الموضوع ومن ثم تصبح عصية على الضبط ورهن مزاجية كل أحد، وليست موضوعية مرتبطة بالموضوع الذي يتصف بها وإلا لكان الموضوع قيِّماً دائماً ويفرض هذه القيمة على الجميع وفي كل الأحوال».

لافيل أيضاً يلمح إلى قدرة الأدب والفنون عموماً إلى حل الإشكالية التي يمكن لالتقاء الذات والموضوع أن ينتجها، حين يقول: «في الفن يزول التناقض بين الوجدان والذكاء، كما أن الفن يعمل على تجاوز التناقض بين الفردي والكلي؛ إذ يجتمع في القيمة الجمالية طابعًا المطلق: اللا تناهي والاكتفاء».

من هنا يمكن الاطمئنان إلى أن القيمة تنطلق من الذات في الأساس، حتى في تلك المساحة التي تبدو القيمة فيها ملتصقة بموضوع ما، نجد أن الذات متورطة كثيراً في تشكيلها.. وبطريقة ما نجد أن الشعر يعبر عن هذه الفكرة أحياناً، كما نلحظ مثلاً في قول نزار قباني:

الحب في الأرض فرع من تصورنا

لو لم نجده عليها.. لاخترعناهُ

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store