حثَّنا ربنا سبحانه وتعالى في الكثير من الآيات القرآنية على إشغال العقل والتدبُّر والحكمة في كافة عباداتنا ومعاملاتنا الحياتية، كقوله تعالى: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ).. وقوله تعالى: (أفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).. كما نهانا سبحانه عن التعجُّل والتسرُّع والتخبُّط في سائر الأمور الحياتية، فقال عز من قائل: (بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ).. وقوله تعالى: (لا تُحرِّك به لسانك لتعجل به).. وقال: (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً).. وهنا شبَّه الله سبحانه وتعالى من لم يلتزم بإحكام العقل من تفكيرٍ وتدبُّر وتبصُّر، بشرِّ الدواب، كونها تعيش حياة العبث والفوضى، وتُسيَّر من قِبَل الغير بيسرٍ وسهولة.
وبما أن المجتمعات العربية هي مَن يتحدَّث بلسانها القرآن العظيم، وهي مَن أُرسل منها خاتم الأنبياء وسيِّد المرسلين، فإن المستوجب أن تكون الأكثر التزاماً بتلك التعليمات الربانية، لكن الواقع الذي تعيشه العديد من هذه المجتمعات يقول: إنها الأكثر بُعداً عن ذلك، وأنها لم تلتزم بتلك التعليمات الكريمة، بل نرى مُسمَّى شر الدواب ينطبق على كثير من سلوكياتهم..
وحتَّى نكون منصفين في ذلك الحكم، سوف نورد بعض تلك الممارسات، منها على سبيل المثال لا الحصر:
- ما نُشاهده من تلك الاندفاعات لبعض شبابنا العربي خلف بعض المتمسلمين ومدّعي الفتوى أو المضللين من فوق أي منبر إعلامي وسواه، أو في وسائل التواصل الاجتماعي، بدعوى الجهاد ومحاربة الكفَّار دون تعقُّل، أو إدراك للأسباب والنواتج المترتبة على ذلك، ودون تبصُّر حقيقي لأحكام الجهاد وضوابطه.
- وفي جانبٍ آخر، نجد مثل تلك الاندفاعات الهوجاء نحو ممارسة التصنيف المذهبي المتنامي بدرجةٍ لافتة، حتى يبلغ بهم الأمر إلى ممارسة التكفير والتفجير، والقتل الجماعي، وكل ذلك يحدث تحت مظلة دعوى باطلة لمدّعي فتوى، أو كيد عدو، حتى يُخيَّل للمتلقِّي أن هنالك حرباً ضروساً بين مذهبٍ وآخر، أو طائفة وأخرى.
- ما نشاهده من تلك الاندفاعات الهوجاء التي تنم على قصور في إدراك الأمور، وعدم تبصُّر بنواتجها، عندما يقع حدث فردي بسيط ومحدود الضرر داخل وطن من الأوطان العربية لفردٍ ينتمي إليه، فنجد أن كل السيوف تُسل بالألسن والأقلام على جميع أفراده، وكأنهم جميعاً شاركوا في تلك الممارسة المشينة.
ولعلِّي بعد تلك الأمثلة المنتقاة من واقع مُشابه لتلك الأمثلة أقول: إن ذلك يُؤكِّد على أن العديد من المجتمعات العربية قد سلَّمت عقولها للهوى، وسُلب منها تلك النعمة العظمى التي منحها إياها رب العالمين، فأصبح كثير من أفراد تلك المجتمعات -في سلوكياتهم ومعاملاتهم- كالأنعام، بل هم أضل سبيلاً. والله الهادي إلى سواء السبيل.