الله سبحانه وتعالى لم يخلقنا في هذه الأرض عبثاً، بل خلقنا لعبادتهِ سبحانه وتعالى، فقال جل شأنه: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، وخلقنا أيضاً لنُعمِّر هذه الأرض بكل صور التعمير، حيث قال في محكم التنزيل: (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا).. فالعبادة التي خلقنا الله من أجلها تُمثِّل شقّين:
أحدهما: العبادة التي ترتكز على ركنٍ واحد، وهو توحيد الله سبحانه وعدم الإشراك به.. وهذا الركن يَتمثِّل في العبادات الحركية التي تتمثَّل في إقامة الصلوات الخمس، والسنن والنوافل. والصيام الذي يتمثَّل في الامتناع عن الطعام والشراب من طلوع الفجر وحتى غروب الشمس. والحج المتمثِّل في إقامة شعائره، بدءاً من الإحرام وانتهاءً بالطواف، وذلك لمَن استطاع إليه سبيلا. والزكاة التي تتم حسب معاييرها الشرعية بعد حلول الحول عليها.
وثانيهما: العبادة الروحية التي تقوم عليها العبادة الحركية، ولا يتم قبولها إلا بتوفُّرها، وبدونها تُعد تلك العبادة هباءً منثوراً، وهذا ما يجهله الكثير من الناس، وعندما نقول العبادة الروحية، فإننا نقصد بها المعاملة الحسنة التي تقوم على الصدق في القول والعمل، والعدل والمساواة، وعدم الغش والتزوير، والامتناع عن شهادة الزور وسرقة المال العام والعبث بحقوق الآخرين، والامتناع أيضاً عن الغيبة والنميمة والبهتان، والمحافظة على النظافة وعدم العبث بالممتلكات العامة، والكف عن ارتكاب المعاصي بكل صورها، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتأدية الأمانات إلى أهلها.
فالعبادة الروحية ممتدة وغير منقطعة بزمانٍ أو مكانٍ، كالعبادة الحركية، ولعل هذا ما يفتقده فئة غير قليلة في العديد من المجتمعات الإسلامية، بعد أن اتّجهوا بتلك العبادات إلى مساربٍ أخرى، حيث طوّعوها لخدمتهم، فطوّعها الفاسدون لدعم فسادهم، وطوّعها الكاذبون لكذبهم، والظالمون لظلمهم، والحاقدون لحقدهم، والكارهون لكرههم، ثم بلوروا كل ذلك في مساربٍ مذهبية وطائفية وحزبية، فحَدَثَ بذلك؛ الانحراف عن المسار الذي حدَّده الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم «القرآن الكريم»، وما صح عن نبيه -صلى الله عليه وسلم-، الذي تمثَّل لنا بهذا الدين العظيم، كما جاء به ربه قبل تنامي عدد الكاذبين عليه -صلى الله عليه وسلم-. والله من وراء القصد.