شاركتُ على مدى شهر في أحد المدارس الخاصة بالمدينة المنورة، للإشراف على برنامج تحدي القراءة في فرع كتابة المقال للطلاب في المراحل الثلاث بالمدرسة، وكانت بداية المفاجآت التي شاهدتُها، أطفالاً في العاشرة من أعمارهم، هوايتهم هي قراءة الكتب في المجالات المختلفة، إضافة إلى تميّزهم في التحصيل العملي، واكتشفتُ ذلك من خلال متابعتي لهم خلال هذه الفترة في تنوُّع اختياراتهم للمقالات، وأسلوب مناقشتها مع زملائهم، والإلمام الكافي بمحاور المقال وفكرته وأهدافه.
هذا البرنامج الذي أعطته المدرسة اهتمامها الكبير لتنمية قدرات ومهارات أبنائها على القراءة، وفنون كتابة المقال، كان دافعاً قوياً لظهور هؤلاء الشباب في منافسةٍ حقيقية في استعراض مهارات الإلقاء وكتابة المقال، وقد ارتفعت وتيرة المنافسة حتى آخر يوم من هذا البرنامج بشكلٍ رائع، ومن اللافت أن نرى أبناء المدارس من مختلف المراحل يتميّزون في مجال القراءة وكتابة المقال والإلقاء، رغم حداثة أعمارهم وقلة خبرتهم، إلا أن الموهبة تفوَّقت وتجاوزت جميع مراحل الخوف والخجل لديهم، للوقوف أمام زملائهم بكل ثقةٍ واقتدار، ينالون التشجيع والدعم الكبير منهم، والاقتداء بهم في الجلسات التالية للبرنامج.
في بداية البرنامج، كان عدد الذين كتبوا مقالات -وحتى المُتحدِّثين منهم- لا يتجاوز الثلاث طلاب في جميع المراحل، ولكن بدأ هذا الرقم في التصاعد حتى وصل إلى 25 طالباً في المرحلة الابتدائية، و16 طالباً في المرحلة المتوسطة، و15 طالباً في المرحلة الثانوية، وسط أجواء تنافسية حافلة بالمواضيع المختارة للمقالات بعناية، وطريقة الارتقاء بالإلقاء بأساليب متنوعة، تحتاج فقط إلى بعض التدريب والتوجيه، لتُعلن عن موهبة جديدة في مختلف المجالات الأدبية والفنية والمسرحية التي نحتاجها.
لعل هذا البرنامج أثرى من تجربتي في اكتشاف القدرات والمهارات التي تكون لدى أبنائنا منذ الصفوف الأولية، والتي لا نُلاحظها سواء في البيت أو في المدرسة، وقد يظن البعض أن المواهب تظهر عند سن معيِّن للشباب، ولكن هذا الكلام غير صحيح، لأن الموهبة تتواجد منذ الصغر، ولكن الصعوبة الحقيقية في اكتشافها، حتى مِن قِبَل الشخص نفسه، إلا إذا توفَّر له مَن يُساعده على اكتشافها مبكراً.
نأمُل من وزارة التعليم؛ العمل على وضع برامج مكثفة لاكتشاف المواهب المختلفة لأبنائنا منذ الصف الأول الابتدائي، واطلاع ولي الأمر عليها، لكي يتم احتضانها وتطويرها مبكراً، والاستفادة منها مستقبلاً في شتى المجالات في خدمة الوطن.
(نحن نملك شباب يحملون المواهب المختلفة، إذا وجدوا الفرصة المناسبة سوف نفتخر بهم).