مثَّلت كلمات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- أمام مجلس الشورى، الأسبوع الماضي، إضاءات لافتة لمسيرة المجلس، وكانت بمثابة نبراس أمام أعضائه، أبانت لهم توجُّهات القيادة السعودية، والتحديات التي تُواجهها بلادنا، وسياسة الدولة في الفترة المقبلة، وما ينبغي عمله والاهتمام به؛ للحفاظ على المكتسبات التي تحقَّقت خلال السنوات الماضية، وكيفية تعزيز خطوات التحديث والتطوير التي تنتظم في كافة أرجاء المملكة وفي شتى الميادين.
وقد دأب قادة هذه البلاد المباركة على الاهتمام بمسيرة مجلس الشورى، تقديراً منهم لدوره الرائد، وقدرته على استشعار رغبات أبناء هذه البلاد، ومعرفة تطلعاتهم، ونقل نبض المجتمع، وإدراكاً منهم لما أنجزه المجلس خلال الدورات الماضية من عمره في تعزيز اللحمة الوطنية، لذلك حرصوا على مخاطبة الأعضاء عند بداية كل دورة، رغم تعاظم مسؤولياتهم، وتشعُّب مهامهم، فقد قامت هذه البلاد على نهج الشورى منذ تأسيسها، وعُرف عن قادتها ميلهم الواضح لاستشارة أصحاب الخبرة، والاستنارة بأهل الرأي في شؤون الحكم والإدارة. لذلك جاءت تجربة الشورى في المملكة سلسلة وثرية، ومرَّت بمراحل طبيعية من التطور والترقي، وتواكبت مع مستجدات العصر والمتغيرات المحلية والدولية، وما تتطلَّبه الدولة من مقومات تنموية وتنظيمية.
لكل ما تقدم، فإن الخطاب الملكي الذي يُلقَى في بداية كل دورة، يعتبر بمثابة وثيقة رسمية، تُحدِّد سياسات المملكة، الداخلية منها والخارجية، وما تهدف إلى تحقيقه خلال تلك الدورة، في إطارها العام، مع الاحتفاظ بالتفاصيل للظروف اللاحقة، ويحرص الملك على تزويد الأعضاء بنصائحه الغالية وتوجيهاته السديدة؛ التي تأتي نتاجاً لخبرة عشرات السنين من العمل المؤسسي، وحكمة كبيرة تجلَّت في أكثر المواقف حلكة، وشهد بها الجميع.
ومع أن مسيرة التطور التي شهدها المجلس تواصلت منذ تأسيسه، إلا أنها شهدت تطوراً ملحوظاً خلال العهد الحالي، وشملت أدوات العمل، ونوعية القضايا التي يُناقشها الأعضاء، لاسيما بعد إقرار رؤية المملكة 2030، التي جاءت لتطوير كافة نواحي الحياة. لذلك يُولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- اهتماماً كبيراً بأعمال المجلس، تجلَّى في الحرص على إحالة معظم القضايا التي تهم المجتمع إلى طاولة الشورى، وأصبح صوت المجلس مسموعاً بصورةٍ أكبر.
أمام هذه الثقة الملكية الغالية، ونظراً لما تمر به بلادنا من مرحلةٍ مفصلية من تاريخها، وما تشهده المنطقة المحيطة من تحديات جسام، فإن الواجب يقتضي من أعضاء المجلس بذل مزيد من الجهود لأجل ترقية الأداء، ومواصلة رحلة التميُّز التي عُرفوا بها، وتطوير آليات العمل، وعكس احتياجات مناطقهم، وإكمال منظومة التشريعات التي باتت ملمحاً بارزاً من ملامح بلادنا، والتي أسهم فيها المجلس الموقر وأعضائه الكرام بنصيبٍ كبير، وأن تظل المؤسسة التشريعية سنداً وعوناً للسلطة التنفيذية، مكمِّلة لدورها، ورقيباً على أدائها، ومقوِّماً لمسيرتها، حتى نصل إلى ما نصبو إليه من مكانةٍ رفيعة، تناسب بلادنا وتليق بها.