استوقفتني هذه العبارة في منهج ثاني متوسط للدراسات الاجتماعية/ ف1: (سار خلفاء بني أمية في سبيل نشر الإسلام ورفع راية التوحيد على سياسة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، فتوسَّعوا في فتوحاتهم حتى وصف عصر الدولة الأموية بعصر الفتوحات الإسلامية)(ص25).
ممّا يُثير الدهشة أنّ معدّي المنهج متخصصين في علم التاريخ، يقولون قولًا يُخالف الحقائق التاريخية، فلا يغيب عن أي مؤرخ مُنصِف بأنَّ الهدف الأساس من الفتوحات الإسلامية كان تأمين الدولة الإسلامية من المتربصين بها؛ إذ كانت محاطة بامبراطوريتيْن كُبرييْن مُتربصتيْن بها هما «الفارسية والبيزنطية»، فمنذ العهد النبوي قرَّر الروم إنهاء القوة الإسلامية التي أخذت تُهدِّد كيانهم، ففي سنة 9هـ خرجت جيوش الروم بقوى تُقدَّر بأربعين ألف مقاتل لقتال المسلمين في المدينة، وعندما علم الرسول (ص) بمقدمهم، خرج لملاقاتهم في تبوك بثلاثين ألفاً من الجيش الإسلامي، وانتهت المعركة بلا قتال، لأنّ الجيش الروماني تشتَّت وتبدَّد في البلاد خوفًا من المواجهة؛ مما رسم تغيُّرات عسكرية في المنطقة، جعلت حلفاء الروم يتخلون عنهم ويُحالفون العرب كقوة أولى في المنطقة. لذلك، حققت هذه الموقعة الغرض المرجو منها دون قتال، حيث أخلى الروم مواقعهم للدولة الإسلامية، وترتب على ذلك خضوع النصرانية التي كانت تدين بالولاء لدولة الروم مثل إمارة دومة الجندل، وإمارة إيلة (مدينة العقبة حاليًا على خليج العقبة الآسيوي)، وكتب الرسول (ص) بينه وبينهم كتابًا يُحدِّد ما لهم وما عليهم، كما قتل الغساسنة -أحلاف البيزنطيين- مبعوثه عليه الصلاة والسلام إليهم، وهددوا بغزو المدينة، وقد كان عرب الشام بصفة عامة يتحرَّشون بدولة المدينة، ويجدون من أحلافهم الروم (البيزنطيين) كل عونٍ وتشجيع. وموقعة مؤتة خير شاهد على ذلك، فقد ذهب المسلمون إلى مؤتة ليؤدِّبوا الغساسنة على قتلهم مبعوث الرسول (ص) إليهم، فإذا بهم يواجهون جموع الروم الحاشدة هناك، ويتعرضون لمحنة قاسية فقدوا خلالها قادتهم الثلاثة، ولولا الانسحاب البارع الذي أحكم خطته خالد بن الوليد بعد أن آلت إليه القيادة، لأنزل الروم بالمسلمين خسائر فادحة. ومن أدلة الخطر الذي كان يداهم الدولة الإسلامية الوليدة أنّ هرقل إمبراطور الروم أمر بوضع رابطة في البلقاء بالشام على الحدود مع شبه الجزيرة العربية، وذلك بعد الحملة التي أعدها الرسول (ص) قبيل وفاته، ونفذها أبوبكر الصديق في صدر خلافته، وذهبت الحملة التي كانت تهدف إلى تأديب عرب الشام -أتباع الروم- لاستفزازهم المستمر للمسلمين، وهذا ما جعل الرسول (ص) يختار لقيادتها أسامة بن زيد. أمّا الفرس فقد هدّد إمبراطورهم بالهجوم على المدينة بعد لقائه بمبعوث الرسول (ص)، إذًا كان الموقف على الجبهتين الفارسية والبيزنطية في صدر الخلافة الراشدة مهددًا بالانفجار في أية لحظة، وهذا يُفسّر لنا بدء المصادمات بين المسلمين والقوتين العظميين بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسّلام لتأمين الجبهة الإسلامية، ودرءاً للخطر المحدق بها من كل جانب، وليس لفرض الإسلام بالقوة، والبلاد التي تمّ فتحها كانت محتلة من قِبَل الفرس والرومان، وكان سكانها يُعانون من اضطهاد، فكان لمسيحيي العراق والشام ومصر الدور المهم في تقديم الدعم والمؤازرة لجيوش الفتح الإسلامي تخلصًا من اضطهاد أباطرة بيزنطة.
فقد فات على معدي المناهج الإشارة إلى أنّ الفاتحين المسلمين لم يُكرِهوا أهالي البلاد المفتوحة على اعتناق الإسلام، بل عقدوا معهم معاهدات تمنحهم حرية العقيدة مع توفير الحماية لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم ومعابدهم، وفي مقدمة هذه المعاهدات عهد الأمان الذي منحه عمر بن الخطّاب لأهل بيت المقدس على معابدهم وعقائدهم وأموالهم، وأن لا تُهدَم كنائسهم ولا يُنتقص منها ولا من حيزها، ولا يُكرَهون على دينهم ولا يضار أحد منهم.. وعهد عمرو بن العاص للقبط الذي كتبه بيده بحماية كنيستهم، ولعن كل مَن يجرؤ من المسلمين على إخراجهم منها، وكتب أماناً للبطريق بنيامين، وردَّه إلى كرسيه بعد أن تغيب عنه زهاء 13 سنة، وقد بيّن هذا المستشرق البريطاني السير توماس أرنولد في كتابه الدعوة إلى الإسلام، ترجمة د. حسن إبراهيم حسن، ص123، والمعاهدة التي عقدها حبيب بن مسلمة الفهري مع أهل دبيل في أرمينيا في عهد عثمان.. وللحديث صلة.
أهداف الفتوحات الإسلامية في مناهج الدراسات الاجتماعية للعام 1441هـ/ ف1 (1)
تاريخ النشر: 30 نوفمبر 2019 00:48 KSA
A A