عندما خلق الله تعالى الجن والإنس، أمرهم سبحانه بتوحيده وعبادته، فقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)، وقال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، ولكي يتم ذلك التوحيد وتتم تلك العبادة، أرسل رسلاً يُبلِّغون أقوامهم بكيفية تلك العبادة في دين الله الأوحد، دين الإسلام، قال تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام)، ثم جمع وأتم وأكمل ذلك الدين في عهد خاتم الأنبياء والرسل محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال في كتابه العظيم: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا).
تضمَّن ذلك الكتاب العظيم كل مطالب تلك العبادة التي يمكن تحديدها في جانبين، أحدهما التقوى، والتقوى كما عرَّفها الإمام علي بن أبي طالب -كرَّم الله وجهه- هي: (الخوفُ من الجَليل، والعملُ بما في التنزيل، والاستعدادُ ليوم الرحيل)، أما الجانب الثاني فهو العمل الصالح أو الصراط المستقيم، الذي نطلب من الله أن يهدينا إليه في كل ركعةٍ من ركعات صلواتنا، قال تعالى: (اهدنا الصراط المستقيم).
ولعلنا نقول: إن تأدية ذلك لا يتم ولن يتم من خلال الأعمال الحركية التي يُمارسها المسلم فقط في جميع العبادات المفروضة، كالصلاة والزكاة، والصيام والحج، بل يتم من خلال ما تتضمّنه تلك العبادات من قِيَمٍ فاضلة، ومبادئ سامية، وسلوكيات كريمة، حيث إن في كل عبادة منها ما يُسهم في زرع وتعزيز تلك القِيَم، والمبادئ والسلوكيات، فالصلاة الحركية لا قيمة لها إن لم تنه صاحبها عن الكذب والغيبة، والنميمة والبهتان، ولم تنهه عن الفحشاء والمنكر، ولم تُعزِّز في داخله قِيَم العدل والمساواة، والتواضع والرحمة والعفو، ولم تحثه على المحافظة على المال العام، وعدم سلب الناس حقوقهم، فإقامة الصلاة مرتبط بالالتزام بالعمل الصالح، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
والحج أيضاً لا قيمة له إن لم يُعزِّز في دواخلنا قِيَم التواضع والبر، والتكافل والرحمة، ومساعدة الضعيف.
والصيام كذلك لا قيمة له إن لم يُعزِّز في دواخلنا التقوى والصبر، والتصدُّق على الفقراء، والكف عن السلوك المنحرف.
والزكاة كذلك لا قيمة لها إن لم تزرع وتُعزِّز في دواخلنا قِيَم العطاء والرحمة، والصدق والإيثار والشكر.
فتلك العبادات جميعها ترفع مِن تقوانا، وتُنقِّي شوائب أنفسنا، وتجمع في دواخلنا ممارسة العمل الصالح بمختلف صوره.. والله من وراء القصد.