أواصل الحديث عن ورود بعض المصطلحات في مناهج الدراسات الاجتماعية والمواطنة، ومنهج تاريخ أولى ثانوي، تُعدُّ من أخطاء المُؤرِّخين القدامى والمعاصرين لمخالفتها للحقائق التاريخية، ومجريات الأحداث التي أُطلقت عليها تلك المصطلحات لخدمة توجُّهات معيّنة أساءت إلى الإسلام أيَّما إساءة، وصوّرته دين عنف انتشر بحد السيف. من هذه المصطلحات مصطلح «الخلافة».
من ضمن ما استوقفني في منهج الدراسات الاجتماعية والمواطنة لأولى متوسط للفصل الدراسي الأول، اعتبار الخلافة من أسس النظام السياسي في الإسلام، وهذا يُعزِّز مفهوم دولة الخلافة الذي تعمل وتُخطِّط أحزاب وجماعات وحركات إسلامية دولية وإقليمية لإقامتها بإخضاع جميع الدول الإسلامية لخليفةٍ واحد، تُساندها إسرائيل وقوى غربية لإشاعة الفوضى والفتن والانقسامات في عالمنا العربي والإسلامي لتنفيذ مخطط الشرق الأوسط الكبير، بتفتيت البلاد العربية والإسلامية إلى دويلات صغيرة، على أساس ديني وعرقي وطائفي، فعلى المستوى العالمي: الإخوان المسلمون، حزب التحرير، تنظيم القاعدة (حركة مسلحة)، داعش (حركة مسلحة).. وعلى المستوى الإقليمي: جماعة العدل والإحسان في المغرب، تنظيم دولة الخلافة في تركيا، مجلس الخلافة في بنغلاديش، أنصار حسين بدر الدين الحوثي في اليمن، حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، حركة تنفيذ الشريعة المحمدية في باكستان، أنصار الشريعة بقيادة أبوحمزة المصري في لندن، وتنظيم التجديد الإسلامي، والتي تقول: (إنّ نظام الحكم في الإسلام، نظام الخلافة لا غير)، وهذا قول يُغاير الحقائق التاريخية الثابتة، فلا يوجد نظام خلافة نسير عليه، فمَن تولَّى الحكم من الصحابة -رضوان الله عليهم- بعد الرسول صلى الله عليه وسلم تولاه بطريقة غير التي تولاها الذي قبله. وعلى المسلمين أن يختاروا من هذه الطرق ما يناسب عصورهم وظروفهم، وكان ينادى بِـ»أمير المؤمنين»، وفي اجتماع السقيفة، قال أحد الأنصار للمهاجرين، أمير منّا، وأمير منكم، وهذا أكبر دليل على عدم صحة الحديث الذي استند عليه دعاة دولة الخلافة، وهو: «تكون النبوّة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوّة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًا، فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبريّة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوّة». (مسند أحمد: 18031).
وعند بحثنا عن سند هذا الحديث، نجد فيه داود بن إبراهيم الواسطي الذي يروي عن حبيب بن سالم حديث الخلافة على منهاج النبوّة، والذي وثّقه الطيالسي هو نفسه داود بن إبراهيم قاضي قزوين، الذي قال عنه الرازي متروك، كان يكذب، وهو نفسه داود بن إبراهيم العقيلي الواسطي الذي قال عنه الأزدي: كذّاب.
فالحديث الذي أخرجه الإمام أحمد بغض النظر عن أنّه حديث آحاد تفرّد به داود بن إبراهيم، فهو حديث ضعيف، إن لم يكن موضوعًا، ففي سنده داود بن إبراهيم الواسطي، وهو متروك، وكان يكذب.
ومن حيث المتن، فالرسول عليه الصلاة والسلام لم يُعيّن خليفة بعده، وفي اجتماع السقيفة، قال أحد الأنصار: «أمير منكم، وأمير منّا»، فهؤلاء صحابة رسول الله، ولو كان الرسول قال هذا الحديث، لقال الأنصاري خليفة منّا، وخليفة منكم، وبعد استشهاد علي رضي الله عنه تمَّت البيعة لابنه الحسن، الذي تنازل عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان، الذي حوّل الحكم وراثيًا، بجعل ابنه يزيد هو الحاكم من بعده، وبشكلٍ عام تعتبر بداية تولي معاوية بن أبي سفيان هي بداية نهاية الحكم بالشورى والانتخاب، وتحوُّله إلى حُكم وراثي مُنحصر في أُسرٍ معينة، تتولى الحكم.
فأين هو نظام الخلافة في الإسلام، حتى يتبّنى البعض قيام دولة الخلافة، ولا يوجد نظام ثابت لها، ويُورِّطون الشباب في قتال المسلمين، والقيام بعمليات إرهابية تحت شعار تكوين دولة الخلافة؟.
للحديث صلة.