تعدنا فيسبوك بإصدار عملتها منتصف عام 2020، في مغامرة كبيرة تُهدِّد الإخلال بالنظام الاقتصادي العالمي. فحتى الآن لم يتم معرفة كيف يمكن التخلي عن الأنظمة البنكية والرقابة المالية لصالح العملة الدخيلة لنظام فيسبوك. وقد أطلق على العملة الجديدة اسم (ليبرا)، وقيل إنه سيتم الإشراف عليها عبر هيئة مركزية أطلق عليها مُسمَّى (جمعية الليبرا)، لكل عضو فيها صوت واحد فيما يتعلق بقرارات إدارة العملة، وفيها في الوقت الحاضر 28 عضواً، من ضمنهم فيزا وفودافون وماستركارد وأوبر، وسيتم عند إطلاق العملة زيادة عدد أعضاء الجمعية ليصل إلى مائة عضو.
وما إن أعلنت فيسبوك عن موعد إطلاق عملتها، حتى توالت التعليقات من أطراف عدة، إذ سارع وزير المال الفرنسي للقول: إن الحكومات وحدها فقط هي التي يمكن لها إصدار العملات، ولمَّحت رئيسة صندوق النقد الدولي، كريستين لاجارد، وذلك قبل انتقالها من الصندوق، بأن هناك تفكيراً بعملة للصندوق (IMF COIN) مبنية على أصول الصندوق المعروفة بحقوق السحب الخاصة، كما برز اقتراح بأن تقوم مجموعة السبعة الاقتصادية (G7) بإصدار عملة بمواصفات قريبة من الليبرا، وفتح المشرِّعون في الكونجرس الأمريكي جلسات استماع وتحقيقاً حول الموضوع تمهيداً لكبح جماح فيسبوك، وإمكانية هيمنتها على الاقتصاد العالمي، خاصةً وأن صدور هذه العملة قد يُهدِّد عرش الدولار الأمريكي. وفي خطاب لعضو البنك الاحتياطي الفيدرالي، لاين برينارد، قالت مؤخراً إن البنك سوف يقوم بابتكار وسائل لتحسين التعامل بالدولار، وعلى الآخرين أن لا يقلقوا.
واجهت فيسبوك حملة التشكيك بعملتها بالقول إنه إذا لم تنطلق شركة أمريكية بعملة على الإنترنت، فإن الصين ستفعل ذلك. ونبَّهت إلى أن هناك البلايين من البشر الذين لا يتمكَّنون من استخدام البنوك وخدماتها، في حين أنه سيكون من السهل عليهم الدخول إلى فيسبوك، إضافةً إلى أن هناك أعداداً كبيرة أخرى تعاني من الرسوم العالية والإجراءات البطيئة للمؤسسات المالية مثل البنوك، بينما يمكن للجميع إرسال الأموال إلى مختلف أنحاء العالم بسهولة، وذلك بإرسال الرسائل الإلكترونية والفيديوهات، كما يمكن لنظام الليبرا أن يحل محل الوسطاء التقليديين في التعاملات عبر الحدود، مثل الحوالات التي تُقدَّر بحوالي ستمائة بليون دولار سنوياً.
إلا أن المصاعب التي تواجه تطبيق ليبرا عديدة، فنظام الفيسبوك نفسه ليس آمناً بما فيه الكفاية حتى يثق المتعاملون بالأموال ثقة كافية به. وسيتيح تطبيقه التعامل بالأموال وتهريبها بعيداً عن الرقابة المعتادة. ولا يبدو في الأفق نظام يتم إعداده لبث روح الطمأنينة بين الناس ليقدموا على استخدامه، وليس هناك من ضمانات للجهات الرقابية في العديد من الدول، بما فيها أمريكا، أنها يمكن لها مراقبة التعاملات المالية وضمان عدم التلاعب بها. ويستخدم عدد من الناس نظام البيتكوين، وهو نظام مُشابه إلى حدٍّ ما لليبرا، إلا أن الرقابة عليه ضعيفة والتعاملات فيه متذبذبة بين عملة بيتكوين وأخرى. وأكبر المعضلات التي تواجه نظام ليبرا هو منع الصين، وهي أكبر الأسواق العالمية، استخدام فيسبوك أو التجارة بنظام البيتكوين الحالي. وتتمتع الصين بأكبر نظام مالي رقمي عالمي لمعاملات المدفوعات وذلك بالعملة الصينية. وكانت المؤشرات تميل إلى الاعتقاد بأن نمو الاقتصاد الصيني وتجاوزه حجم الاقتصاد الأمريكي وقوته سيؤدي إلى حلول العملة الصينية محل العملة الأمريكية (الدولار) كعملة الاحتياط الرئيسية في العالم.
تحذير فيسبوك بأنه إذا لم تعتمد عملتها، فإن الصين ستُحقِّق ذلك عبر عملة تصدرها. ومن المرجح أن لا تنجح فيسبوك في فرض الليبرا على السوق العالمي. وأنها إذا صدرت فستكون استخداماتها محدودة، وسيتطلب اعتماد عملة رقمية عبر الإنترنت اتفاقاً واسعاً بين عدد من المؤسسات المالية الدولية ودول متعددة، بما فيها الصين، وهذا أمر يبدو أن هناك سعياً من أكثر من جهةٍ دولية معنية لتحقيقه في المستقبل المنظور.
صراع فيسبوك و(جمعية الليبرا) مع النظام المالي العالمي
تاريخ النشر: 31 ديسمبر 2019 00:03 KSA
A A