· من أصعب المشكلات العملية وأكثرها حرجاً في حياة أي موظف، أن يجد نفسه وسط شعور محبط وقاتل ناتج عن اكتشافه أن مديره أقل منه مهنياً وفكرياً بل وحتى عقلياً أحياناً، أو أن سعادته صاحب شهادة وهمية (يترزز) بها حيناً ويخفيها أحياناً أخرى!، وأنه ما وصل لهذا الكرسي إلا عن طريق هبوط مظلي بـ(بارشوت) الواسطة اللعينة. هذه نقطة حرجة ومفصلية بالفعل في حياة الموظف، قد توصله حد التوقف عن العطاء.. والأخطر أنها قد تدفعه أحياناً باتجاه العصيان الوظيفي والاصطدام المباشر بالمدير (غير الكفؤ) مع كل خطأ يرتكبه. ولا تقف معاناة هذا الموظف عند فقدانه القدرة على العطاء والحماس للعمل، ففي الغالب سيمارس المدير (الباراشوتي) كل نفوذه من أجل الضغط على موظف يعلم جيداً أنه أفضل منه، من أجل إجباره إما على أن يخضع لمنهجيته والدخول في حظيرته (مع من دجّنهم من المتملقين والمتسلقين) أو أن يتقبل المزيد من الضغوط والمضايقات لإبعاده، فلا يمكن أن يقبل سعادته بوجود من يذكِّره دائماً بضعفه وعجزه!.
· الصدق مع النفس أمر مهم جداً لكل إنسان، خصوصاً من يُرشحون لمواقع إدارية مهمة، هنا يصبح من الأمانة التعرف على إمكاناتك القيادية جيداًّ، وإدراك مدى حجمك وقدراتك، وهل أنت قادر على شغل هذا الموقع بشكل صحيح ومثمر، أم أن المكان أكبر منك؟!. المؤسف أن هناك دوماً من يتعامون عن الحقيقة، مثلما أن هناك من يكذبون ويصدقون أكاذيبهم، ومثلما أن هناك من يعلمون أيضاً أنهم أقل مهنياً ونفسياً وعلى مستوى القدرات الشخصية من أن يشغلوا منصباً قيادياً، لكنك تجدهم لا يكتفون بالتمسك بمقعد لا يستحقونه فقط، بل يجتهدون في إبعاد المميزين من حولهم خوفاً منهم، فيعاني المتميزون والأحرار من موظفيهم وتكون الكارثة مضاعفة!.
· وجود المدراء الأقل من مناصبهم؛ والأقل حتى من مرؤوسيهم أمر طبيعي ويمكن حدوثه في أي منظمة، ومعظم هذه النوعيات الركيكة تأتي للأسف من خلال ثغرات أنظمة الترشيح، ومن دعم رؤسائهم السابقين، وعلاقتهم المباشرة معهم، بعيداً عن أي معايير ترشيح نزيهة، فهم امتداد لسابقيهم على طريقة (التوريث الإداري) كنوع من المكافأة حتى وإن كانوا لا يستحقون!. ولعلها من أكبر العقبات والتحديات الإدارية التي تستنزف القوى البشرية لأي منظمة حين يضطر منسوبوها للابتعاد والبحث عن مكان آخر يحترم قدراتهم.
· المعيار الأول والوحيد للترقي لأي منظمة ناجحة هو الكفاءة والإنجاز .. وما هبوط مستوى الإنتاجية في بعض الإدارات والمنظمات؛ واصطدام الكثير من موظفيها مع رؤسائهم إلَّا دليل على وجود أزمة إدارية فيها، وهو ما يسمى في أدبيات الإدارة (Lack of management)، وهذا له أسباب كثيرة من أهمها عدم نزاهة الاختيار بها.. لذا يصبح تطبيق تقييم الكفاءة (competency assessment) على القيادات وأصحاب الوظائف العليا بين فترة وأخرى ضرورة من أجل الوطن والمواطن.
·باختصار: كل جاهل أو مزيف يتولى موقعاً وهو يعلم أنه ليس كفؤاً له.. هو فاسد بالضرورة.