* شخص قَل أن يتم الحديث عنه، رغم دوره، وما يقوم به، فضلا عن كونه من يقوم بدور الأب، فيحمل هم إخوانه وأخواته، يُقدَّم دومًا عندما يدعو داعي المسؤولية، فيتقدم بكل ثبات وصبر، يُؤثر على نفسه، ولا يبخل بأن يكون دومًا في موطن البذل، والعطاء.
* ذلك هو الأخ الكبير، الذي يمثل وجوده نعمة عظيمة، يُدركها من أنزل أخاه الكبير منزلته، وحفظ له قدره، وثمَّن تضحياته، فمن غيره كان ساعدًا أيمنًا لوالده، ومن غيره من حُمَّل المسؤولية منذ (حبوه)، فما يوجه له من نداءات، وما يُلبس عليه من صفات، كلها تُمهد لأن يكون أبًا للأسرة بجوار الأب، ومسؤولًا قد لا يُسأل عما يحتاجه، ولكنه سيكون عرضة للمساءلة عما تحتاجه الأسرة.
* التضحية دومًا ديدنه، فكم من أخ كبير تنازل عما يطمح إليه، كحق مشروع له، في سبيل أن يبقى بجوار إخوانه، أو دُفع إلى تغيير بوصلة أمنياته، وليس من سبب سوى حاجة إخوانه إليه، فمن يرعاهم سواه، ومن يُؤمن لهم تلك الحياة الكريمة التي ينشدونها سوى ساعده، الذي حمل مبكرًا مسؤولية أنفس عندما يتأملون الوجه الآخر لصورة حياتهم الكريمة، يجدون كم هي السهام التي غُرزت في ظهر أخيهم الكبير، وهو يقف ساترًا دونهم، يتجرع الألم لأجلهم ولسان حاله: «إني لألقم اللقمة أخًا من إخواني فأجد طعمها في حلقي».
* وإنني أحسب أن لكل أخ كبير داخل كل أسرة قصة مختلفة في التضحية، فما يُمنح عادة لبقية الإخوة من مساحة يتنفسون فيها، وفضاء رحب من خيارات تشكيل حياتهم، أجد أن الأخ الأكبر لا يحصل على ذلك، فحياته في الغالب تنحى منحى ما تشتهيه الرياح لا ما تشتهيه السفن، ولكم تأمل ذلك في حياة أخيكم الكبير، فهو الوحيد بين إخوانه من يجري عليه غالبًا حمل هم الأسرتين!
* فكم من أخ كبير واصل مشواره مع (الكد والتعب)، وماله من هدف إلا أن يُعد إخوانه لمستقبل زاهر، ومواقع يسره أن يراهم فيها خير من يحمل اسم أبيهم، وأجمل من يُعرّف باسم الأسرة، وأحسب أن ذلك لم يأت من فراغ، فما من شك أنهم حتى وصلوا إلى تلك المكانة، فمع جدهم، ومثابرتهم لا يمكن إغفال فضل أخيهم الكبير، وما بذله في سبيل ذلك، ألا يكفي منه أنه حتى مع وجود الأب من حمل همهم صغاراً، وإن عاشوا أيتام الأب فمن غيره من يكون للأسرة في منزلة أبيهم.
* إن نعمة الأخ الكبير تدفع إلى أن أُذكّر بوجوب حفظ إخوانه لفضله، وإنزاله من التقدير منزلته، وأحسب أنهم إن فعلوا ذلك فقد أوفوا ما يتمناه منهم، وإن زادوا على ذلك بما يعوضه عن بعض تضحياته، فإنهم وإن رأوا ذلك كبيراً، فإنه ليس أكثر من بعض ما يستحقه الأخ الكبير، وعلمي وسلامتكم.