شهد العام الماضي 2019 الإعلان عن تأسيس مملكة جديدة على الحدود ما بين مصر والسودان، على مساحة 2060 كيلومتراً مربعاً، في منطقة ذات طبيعة صحراوية وعرة، أطلق عليها اسم «مملكة الجبل الأصفر». جاء الإعلان على شكل بيان قرأته سيدة أميركية من أصول عربية، اسمها الدكتورة نادرة نصيف، ادعت أنها رئيسة وزراء المملكة الجديدة، وأنه (سوف يخرج ملك مملكة الجبل الأصفر وعدد من أعضاء الدولة في مؤتمر ومنتدى أمام الصحافة العالمية خلال أيام للحديث بشكل مفصل عن الدولة.. كما سيدشن خلال المؤتمر عدداً من المشاريع بالمملكة).. وأن إعلان قيام الدولة جاء عقب اجتماع عقده وزراء وملك الجبل الأصفر في مدينة أوديسا بأوكرانيا، من حيث كانت تلقي بيانها المسجل بالصوت والصورة عبر الإنترنت. وظهر الإعلان عن قيام المملكة الجديدة يوم 5 سبتمبر من العام الماضى. وحتى الآن لم يظهر الملك، الذي لم تذكر الدكتورة نادرة نصيف اسمه، ولم يعلن أي شيء آخر عن هذه الدولة.
إلا أنه ظهر أميركي آخر نشرت صحيفة (النهار) اللبنانية مقابلة معه في 15 سبتمبر 2019 هدد فيها باعتقال نصيف التي أعلنت نفسها رئيسة وزراء (مملكة الجبل الأصفر) إن حاولت الذهاب إلى هناك، واتهمها بأنها تعمل لصالح جماعات إسرائيلية تسعى لتهجير الفلسطينيين، وقال إن أصدقاءه في إسرائيل كشفوا له حقيقتها لأنهم معجبون بمملكته التي أعلن عن إنشائها في نفس المنطقة عام 2014 باسم «مملكة شمال السودان». واستشهد بقول نصيف إن الهدف من تأسيس «مملكة الجبل الأصفر» هو توفير مكان نموذجي يستوعب ملايين اللاجئين خاصة العرب منهم. بينما استهدف هذا الأميركي، واسمه جيرميا هيتون، عندما أعلن قيام «مملكة شمال السودان» عام 2014 (رفع حينها علماً أزرق لمملكته في حين رفعت نصيف علماً أخضر لمملكتها) أن يحقق أمنية ابنته (إيميلي) بأن يجعلها أميرة حقيقية، كما تمنت، وأنه بإقامة مملكته يفي بوعده لها. ويعيش جيرميا هيتون في ولاية فرجينيا بأميركا، بينما تعيش نادرة نصيف في شيكاغو، بأميركا أيضاً.
قطعة الأرض هذه يطلق عليها اسم (بئر الطويل) وهي منطقة صغيرة بين مصر والسودان، وبدون مالك رسمي لها، وهو ما أدى إلى عدم رد مصر ولا السودان على ادعاءات الممالك هذه، فالقاهرة تنفي تبعية منطقة حلايب وشلاتين للسودان مستندة الى اتفاقية عام 1899، الموقعة بين مصر وبريطانيا التي تضع مثلث حلايب داخل الحدود المصرية وتضع منطقة (بئر الطويل) داخل الحدود السودانية. بينما تطالب الخرطوم بتطبيق اتفاقية الحدود الإدارية لعام 1902 التي تضع مثلث حلايب داخل الحدود السودانية و (بئر الطويل) داخل الحدود المصرية. أي أن مصر والسودان يتبرأ كل منهما من ملكية هذه الأرض مما دفع المغامرين الى استغلال هذا الفراغ ومحاولة إقامة كيان ما عليه.
ولاشك أن هذا الوضع، أي الفراغ، يشكل خطراً على كل من السودان ومصر، إذ تقع المنطقة على حدود كل منهما، ويمكن استغلالها من مغامرين أو متآمرين، أو مهربين (وكلها احتمالات ربما تكون قائمة بالفعل) مما يصيب بالضرر أمن البلدين مجتمعين.
وتتطلب الحكمة وضع هذه المنطقة تحت إشراف لجنة مشتركة خاصة، حتى وإن كانت تابعة للجامعة العربية، بمشاركة عدد من الدول العربية بما فيها السودان ومصر تتولى إدارة (بئر الطويل) لضمان عدم استغلال المخربين والمغامرين للفراغ القائم، حتى يتم حل المعضلة القائمة بقبول مصر أو السودان أو الاثنتين بشكل مشترك إدارة هذه المنطقة. وبدون هذا الحل فإن المؤامرات الإقليمية والدولية ستتواصل لاستغلال نقطة الضعف هذه على حدود البلدين.