تعتبر مكة المكرمة قلب العالم الإسلامي النابض؛ فهي مهبط الوحي وقبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم، وهي منطلق الرسالة لأصقاع العالم، فكانت ومازالت تشهد التدفقات البشرية التي تزداد عاماً بعد عام حتى وصلت إلى عدة ملايين.. وجميعهم يفاجأون بالتغيرات الكبيرة التي حظيت بها مكة المكرمة والجهود الجبارة التي تبذلها حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله- وبمتابعة سمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان وسمو أمير منطقة مكة المكرمة خالد الفيصل؛ فترى وتسمع من الحجاج والمعتمرين وألسنتهم تلهج بالدعاء لهم نظير المشاريع الجبارة والتطورات الهائلة ومنها تشييد الأنفاق والتوسعات الضخمة في المسجد الحرام.
ومما دعم هذا التوجه إنشاء الهيئة الملكية لمكة المكرمة بأمر ملكي بتاريخ 1/6/2018 وتعيين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان رئيساً لها، فهو قرار تاريخي للارتقاء بالمنطقة، وهي تقوم وبالتعاون مع هيئة تطوير مكة المكرمة بدور فاعل في الإشراف والتخطيط والتصميم والتنفيذ للمشروعات القائمة في النطاق الجغرافي، ومنها ما تقوم به الآن في استكمال الطرق الدائرية: الثاني والثالث وتنفيذ الدائري الرابع لضمان انسيابية الحركة في الحج لآلاف من الحافلات القادمة من كافة المنافذ، وما تقوم به في طريق الملك عبدالعزيز الموازي من مترو أنفاق وفنادق لتصاميم سكنية بمواصفات عالمية من خلال بعض الشركات الوطنية ومنهم (أم القرى للتطوير والإعمار).
ولأن المنطقة الجغرافية للمشاعر المقدسة لأداء الحج في مساحة لا تتجاوز 33 كم2 تجعلنا أمام تحدٍ كبيرٍ في ظل رؤية 2030؛ فالطاقة الاستيعابية الحالية محدودة والأعداد تتزايد عاماً بعد عام، كما أن (الكوتا) المخصصة للمسلمين في كل دولة قد حددت وقبل أكثر من عشرة أعوام وهي 1/1000 من كل مليون من عدد السكان ولم تعد مناسبة في ظل الزيادة المضطردة لأعداد السكان في جميع الدول وهناك قوائم الانتظار بالآلاف، وبعضهم يتوفاه الله قبل أن يأتي دوره لأداء الفريضة.
كما أن التحدي الأكبر في منى هي الخيام بوضعها الحالي في الامتداد الأفقي لها -بصرف النظر عن انتهاء عمرها وعمر مكيفاتها الافتراضي- فهي غير قادرة على استيعاب الأعداد المتزايدة.
وفي وثيقة برنامج خدمة ضيوف الرحمن وضعت أبعاد إستراتيجية للبرنامج ومنها توفير الطاقة الاستيعابية المثلى، وتقديم خدمات ذات جودة عالية.. وقد تم إعادة هندسة الإجراءات واستخدام التقنية لتسهيل القدوم ورفع الطاقة الاستيعابية في المسجد الحرام وتنظيم إدارة الحشود.
ولكن مع ذلك تبقى المشاعر المقدسة في الحج كما هي وإن كانت هناك اجتهادات من بعض مؤسسات الطوافة في بناء وتشييد خيام مؤقتة لدورين أو ثلاث وهي لا تستوعب أكثر من عدة آلاف، وحتى الأسرَّة المتعددة الأدوار التي عرضت في (مشاعر 1) عرض السرير يتراوح ما بين 40 -50سم وطوله من160-170 سم، وهذه اجتهادات غير مجدية لزيادة الطاقة الاستيعابية.
كما أن دورات المياه من حيث الجودة في التصميم والبناء والعدد أمر مهم ولابد من مراعاته في موسم حج 1441هـ فالزيادة يجب أن لا تقل عن 100 ألف دورة مياه ومزودة بخدمات النظافة، والصيانة، والمستلزمات من صابون وأجهزة تجفيف اليدين، وعمالة على مدار الساعة.
نقطة مهمة وهي توعية الحجاج في بلادهم بالمحافظة على بيئة المشاعر المقدسة والاستخدام الأمثل لدورات المياه لتكون جزءاً من ثقافة المسلم والترويج لثقافة «ترك المكان أفضل مما كان».
ما نأمله حقيقة هو تفعيل البحوث العلمية الخاصة بالمشاعر المقدسة والتي قُدمت العشرات أو المئات منها في معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج والعمرة ومنها دراسات البيئة والبنية التحتية الأساسية في المشاعر المقدسة والامتداد الرأسي للبنيان لزيادة الطاقة الاستيعابية؛ لتقليص الزمن والبدء من حيث انتهى الآخرون.