وطننا العربي الحبيب يعيش في هذه المرحلة الزمنية صراعات مختلفة المسارب، إما سياسية أو مذهبية أو طائفية يندى لها الجبين، فما تلبث أن تستقر في دولة حتى تنبعث في دولة أخرى حتى داخل الدولة نفسها قلَّما نجد أن دولة عربية لا تشكو مثل تلك الصراعات التي تتجاذبها، وكل ذلك حتماً قد أفضى إلى بقاء الوطن العربي يعيش مراحل التخلف المادي والفكري بكل صوره بالرغم من توفر كل مقومات الحضارة من ثروة بشرية أو طبيعية وأهمية استراتيجية لكنها وللأسف الشديد لم تُفعَّل وتُستثمَر في معظم دوله بالشكل المطلوب، وقلما تجد أن دولة تتبنى فكراً يقوم على أبناء وطنها دون الرجوع الى الدول المتقدمة حتى أصبحت معظم الدول العربية تستهلك كل شئ في حياتها، حتى تقدمها الحضاري فهو في أغلبها حضارة تم استيرادها من الخارج أو استيراد حيزها الأكبر من مواد أو كوادر بشرية أو تقنيات حديثة.
وقد أفضى بي تتبع ذلك المشهد المؤلم الى استلهام كل ما درسته عن تاريخ العرب في العصر الجاهلي الذي كان يغلب عليه التخلف بمختلف صوره وتبين لي حجم التشابه بين المرحلتين الزمنيتين بالرغم من تباعدهما إلا أن الصورة لم تختلف إلا في أدواتها وآلياتها المتبعة، حيث نجد المجتمع العربي في تلك الفترة كان قبلياً يقوم على رأس هرمه شيخ القبيلة الذي تتجذر مكانته حتى تصبح حكراً عليه حتى يصبح هو من يعلن التوافق ومن يعلن الاختلاف، أما أفراد القبيلة فنجدهم يعيشون دوماً حالة الاختلاف والتشرذم، وبين هذا وذاك نجد أن المجتمعات في العصر الجاهلي كانت تقتات على السلب والنهب والهياط القبلي، وهو ما يشبه حال معظم المجتمعات العربية الآن في اختلافها وتشرذمها.
ثم يتبقى علينا القول إن حال معظم العرب بالرغم من مرور أكثر من عشرين قرناً تخللها نزول الأنموذج الرباني على يد خاتم الأنبياء والمرسلين لكن للأسف الشديد بدَّلوه فعادوا كما كانوا وما أشبه الليلة بالبارحة!.
وها هي المجتمعات العربية تعيش مرحلة ليست ببعيدة عن تلك المرحلة المظلمة وإن اختلفت الأدوات وطبيعة الممارسات وحالة المجتمعات المحيطة إلا أن النتيجة لازالت متقاربة من الخلافات والصراعات والهياط والعصبية المتلونة طائفياً ومذهبياً وفئوياً، فهل عاد بهم التاريخ أم هي حالة ستكون شبيهة بالحالة التي عاشتها أوربا قبل عصر النهضة نتمنى ذلك؟. والله من وراء القصد.