عند اطلاعي على منهج الدراسات الاجتماعية والمواطنة (التاريخ) لعام1441هـ/ 2019 لأولى متوسط /الفصل الدراسي الأول، استوقفني الآتي:
أولًا: في تعريف الحضارة تمّت الإشارة إلى قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) [البقرة:30] دون أن يُبيِّن علاقة الآية بقيام الحضارات الإنسانية بأنّ الله جل شأنه جعل الإنسان (ذكرًا كان أو أنثى) خليفته في الأرض لإعمارها، فهذه الإشارة تُعزّز في نفوس صغارنا أنّ المرأة شريكة مع الرجل في إعمار الكون وبناء الحضارات الإنسانية، كما أنّ معدّي المنهج -مع تقديري لهم- لم يتحروا الدّقة في بيان تبرئة الإسلام المرأة من تهمة الخطيئة الأزلية التي ألحقتها بها الأديان السابقة للإسلام في قوله تعالى (وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ) [طه:121]، والآيات التي قبلها، والتي بعدها تُبيّن أنّ حوار الخالق جلّ شأنه مع سيدنا آدم، وليس معه ومع زوجه (الآيات 117-119)، وبيّنت الآية التي بعدها أنّ الشيطان وسوس إلى آدم وحده (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ) [الآية :120]، أمّا قوله تعالى في الآية التي بعدها (فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ. ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ) [الآيتان 121- 122] فقد أكدّ على براءة حواء من تهمة الخطيئة الأزلية، وأنّ أكلها من الشجرة المُحرّمة كان اتباعًا لزوجها، وليس عصيانًا لله جلّ شأنه، ولكن كان حكم الله عليهما إخراجهما من الجنة لإعمار الأرض (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) [الآية123].
والسؤال هنا لماذا ترك معدو المنهج هذه الآيات، واستدلوا بآية تُبيِّن أنّ أمنا حواء قد عصت ربّها مع آدم (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فيه) [البقرة: 36]؟
وكيف يقرر معدو المنهج أنّ إبليس أغواهما (أي آدم وحواء)[انظر:ص 14] خلاف ما قاله الخالق جل شأنه (وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ. ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ) [طه:121-122]؟
وإذا كان كلاهما عصى، فهل يعني أنّ الله تاب على آدم كما جاء في الآية 122، ولم يتب على حواء؛ إذ لا توجد آية عن أنّ الله تاب على حواء كما تاب على آدم؟.
هذا الموقف الذي وضع فيه معدو المنهج المرأة ليُشركوها في المعصية مع آدم عليه السلام يُعطي صورة خاطئة عن الخالق بأنّه ينحاز للرجل، وهذا يُوجِد مدخلًا لمخططي الإلحاد لإلحاد شبابنا خاصة الإناث منهم.
ثانيًا: الحضارات قبل الإسلام
لقد فوجئتُ عند قراءتي دروس الحضارات قبل الإسلام تجاهل معدي المنهج حضارات شبه الجزيرة قبل الإسلام، ومنها الحضارة التي شهدتها مكة المكرمة والمدينة المنورة (يثرب) وحضارة معين (1300/630ق.م) عاصمتها قرناو أو القرن شرق صنعاء، واندمجت في مملكة سبأ التي كانت في جنوب غرب اليمن (800/115ق.م)، وقد كانت دولة قوية جاء ذكرها وملكتها في القرآن الكريم (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ. قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ..)[النمل:32-33] ومملكة حمير(110ق.م- 525- 527 م) مملكة يمنية قديمة نشأت في ظفار يريم وهي آخر مملكة يمنية قبل الإسلام وكانت لهم علاقة وثيقة بمملكة كندة عن طريق تحالف بينهم يعود للقرن الثاني ق.م والتي كانت عاصمتها مدينة الفاو جنوب غربي منطقة الرياض، وقد اكتشفها عالم الآثار السعودي البروفسور عبد الرحمن الطيب الأنصاري مع فريق علمي من جامعة الرياض في الفترة من 1392-1412هـ، كما فات على معدي المنهج ذكر حضارة الكنعانيين العرب -ومنهم الفينيقيون- الذين هاجروا من الجزيرة العربية منذ أكثر من 5000عام ق.م وسكنوا سواحل الشام وفلسطين؛ وأعظم عمل قام به الكنعانيون للحضارة هو اختراعهم الأبجدية الهجائية التي تعتبر من أهم الاختراعات في العصور القديمة، بل في تاريخ الحضارة الإنسانية. عرفوا ازدهار التجارة وانتعاش الزراعة، وأقاموا مع جيرانهم علاقات اقتصادية وتجارية، وقد شيّد الكنعانيون المدن في فلسطين، فأسماؤها القديمة عربية كنعانية مثل أورشليم التي تطلق على القدس، وهي كلمة كنعانية معناها «مدينة السلام».
كما نجد معدي المنهج لم يذكروا حضارات الممالك العربية، وثمود، وإنّما نجدها في منهج التاريخ للمرحلة الثانوية، وعند عرضها وقعوا في خطأ تاريخي كبير، وهذا ما سأبحثه في الحلقة القادمة إن شاء الله، فللحديث صلة.