فُجع المجتمع السعودي خلال الأيام الماضية بمقطع مصور انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي يظهر أحد الأشخاص وهو يوجه كلاماً بذيئاً لطالبات جامعيات في نجران، ويكيل أبشع الأوصاف في حق أولياء أمورهن، بل وصل به الحال إلى المطالبة بحرقهن، وكأننا مازلنا نعيش في أيام الجاهلية حينما كانت الفتاة تُوأد لمجرد أنها أنثى. ورغم الإشادة بالتصرف السريع الذي قامت به الجهات الأمنية المختصة بالقبض على ذلك الشخص، وإحالته للتحقيق، وتوجيه مجموعة من التهم إليه، إلا أن هذه الحادثة لا ينبغي أن تمر مرور الكرام، دون فحص وتأنٍّ لمعرفة الأسباب والدوافع التي اضطرت هؤلاء الفتيات للبحث عن الأكل والشرب خارج أسوار جامعتهن.
وعملاً بالمثل الشهير «رُبَّ ضارة نافعة»، فإن تلك الحادثة فتحت الباب لمناقشة الوضع الذي تعيشه طالبات جامعة نجران، وافتقارهن للخدمات الضرورية، حيث يكاد الطلاب والطالبات يجمعون على عدم جودة الخدمات التي تقدمها الكافتيريات الموجودة بالكليات المختلفة، وغياب الرقابة والمتابعة من إدارة الجامعة لتقييم صلاحية ما يقدم من أطعمة ومشروبات، ومع كل ذلك فإن الجامعة -وحسب نظامها- تفرض عقوبات صارمة على كل طالبة تجرؤ على إحضار الأكل من الخارج، وتصل تلك العقوبات حد الفصل الأكاديمي أو الخصم من درجات السلوك، رغم أن التوجه العالمي يشير إلى تشجيع الاعتماد على الأكل المنزلي ومحاربة مطاعم الوجبات السريعة، لما تمثله من خطر داهم على الصحة، لاسيما على الأطفال والمراهقين، لأنها السبب الرئيسي في تفشي ظاهرة السمنة وزيادة الوزن.
ولا تقتصر معاناة طالبات جامعة نجران على قضية الأكل غير الصحي فقط، بل إن الرسالة الشهيرة المتداولة على وسائل التواصل الجامعي تكشف وجود خلل في التواصل بين الطالبات والإداريات والمشرفات، واستشراء حالة من الجفاء بين الطرفين، وهو ما يستوجب من إدارة الجامعة المسارعة إلى عقد ورش عمل تزيل هذه الحالة السالبة، وتجعل الطالبات في حالة نفسية مهيأة لاستيعاب الدروس، حتى لا تكون البيئة الجامعية طاردة، وكلنا ثقة في أن معالي مدير الجامعة الدكتور فلاح السبيعي يدرك من واقع خبراته الكبيرة هذه الحقيقة جيداً وسيعمل عاجلاً على تدارك الوضع وتصحيح الخلل القائم.
المطلوب الآن هو تكوين لجنة تحقيق للوقوف على حقيقة الأمر الواقع، واتخاذ الإجراءات التي تحفظ حقوق الجميع، والسعي إلى التوصل لحلول تضمن للطالبات مصالحهن وتلبي طموحاتهن وفي ذات الوقت تحفظ لمنسوبي الجامعة احترامهم ووقارهم ، فنحن ولله الحمد نتنسم رؤية 2030 التي أعادت للمرأة حقوقها، وأتاحت لها كافة الفرص للانطلاق والإسهام في تطور المجتمع وزيادة الدخل القومي للدولة، فإذا كانت المرأة السعودية في هذا العهد الزاهر قد استعادت حرية التصرف في مالها وأملاكها، وأصبحت عضواً في مجلس الشورى، وسفيرة لبلادها في أكبر بلدان العالم، فإن من غير اللائق أن تعاني فتاة جامعية في ذات الوقت لأجل الحصول على وجبة غذائية تفي بمتطلباتها وتلبي رغبتها.
أما صاحب المقطع المسيء فقد أصبح في أيدٍ أمينة، لا تتوانى في رد الحقوق وإزالة الظلم، وسيجد جزاءه الرادع الذي يمنع التطاول والإساءة.. وإن كان البعض قد أخذ فكرة سالبة عن مجتمعنا المحلي فأقول لهم إن مجتمع نجران عرف منذ الأزل بأنه متسامح معافىً، يضم في جوانبه كافة أصحاب المذاهب والتيارات، ولا يحجر على أحد في تفكيره وتصرفه ما دام متسقاً مع الأنظمة والقوانين، وهو مجتمع راقٍ ومتحضّر يمثّل صورة معبرة لواقعنا السعودي الكبير.. وقد عُرفت المرأة في نجران منذ سنين طويلة بإسهاماتها الإيجابية، ووقوفها إلى جانب الرجل، سواء كان والداً أو زوجاً، وإسهامها في تحسين الوضع الاقتصادي لأسرتها، حتى إن فكرة الأسر المنتجة التي تجد الدعم من كافة الجهات الحكومية توجد على أرض الواقع في نجران، لذلك فإن المرأة النجرانية جديرة بالاحترام والتقدير، وليس بالإساءة والتقليل من قدرها.