يختتم ملتقى قراءة النص السادس عشر الذي ينظمه النادي الثقافي الأدبي بجدة جلساته اليوم بحضور نقاد ومثقفين من مختلف مدن المملكة ومؤسساتها الثقافية والعلمية.. وهو أول ملتقى يقام بعد وفاة عبدالفتاح أبومدين، أحد أهم الأسماء التي أسهمت في استمرارية الملتقى وتصدره للمشهد الثقافي في المملكة.
كان أبومدين شخصية الملتقى العام المنصرم، كرمه النادي، وخصصت له جلسة نقاش علمية.. لكنه هذا العام يغيب –بأسى- بعد أن طواه الموت؛ ولعل المصادفة أن تكون شخصية الملتقى هذا العام هي عبدالله الغذامي، أحد أقرب أصدقاء أبي مدين الذين كوّنوا شراكة عمل في النادي استمرت لعقود، وصداقةً امتدت لعمر.. تلمس دفء هذه الصداقة ما أن تفتح كتاباً لأبي مدين أو للغذامي يهديه أحدهما للآخر، أو يتحدث فيه بإعجاب وامتنان عن صديقه.. ولا شك أن الرجليْن منارتان من منارات الثقافة المحلية والعربية، قدما ما يجعلهما يستحقان كل تكريم وتقدير، ولعل لتكريم ملتقى النص لهما في عامين متتاليين رمزية تربطهما بتاريخ النضال الثقافي العريق.
والوفاء للرموز هو إحدى رسائل هذا الملتقى الذي أضحى منذ أكثر من عقدين تقليدًا ثقافيًا راسخاً في المشهد الثقافي المحلي والعربي، وموعداً ينتظره المثقفون والمثقفات والباحثون والباحثات لما يتمتع به من سمعة علمية وثقافية، جعلته في رأيي أحد أهم الملتقيات الثقافية المحلية وأبرزها.
أقول هذا وأنا القريب من الملتقى منذ سنين، حاضراً ومشاركاً ومساهماً في التنظيم والتحكيم.. وهو ما أتاح لي دوماً الفرصة لتقييم الملتقى على مستوياته التنظيمية والمعرفية وعلى مستوى التوفل الذي يحظى به في الوسط الثقافي.
يمكن أن أضيف أن أحد عوامل استمرار الملتقى ونجاحه المستمر يكمن في الهاجس المتجدد في التغيير باعتباره سنة الكون الأكثر ثباتاً، والمحاولة المستمرة لمواكبة التطورات الثقافية والاجتماعية، ورصد الظواهر الأدبية وغير الأدبية المشكلة لكامل الصورة الثقافية محلياً وعربياً.
يشهد للملتقى أرشيف الأوراق والأبحاث العلمية المكتنز بشتى أنواع الدراسات الأدبية والثقافية والنقاشات العلمية الجادة التي شارك فيها عبر السنين كبار نقاد الغربية ومثقفيها.
كما يشهد له أجيال من الباحثين والباحثات الذين احتضنهم الملتقى وأسهم في إنضاج تجربتهم النقدية والأدبية، وأنا أحد أولئك بلا شك.. أذكر أول مشاركة لي في ملتقى علمي؛ كان حمزة شحاتة محور الملتقى، فوّتُ موعد تسليم الأوراق، فاتصلتُ بأبي مدين من مكتبي في صحيفة المدينة، كان الوقت مساءً متأخراً، أجاب بصوته الجميل، فأخبرته أني أود المشاركة في الملتقى، فسألني: ما الذي أخرك يا عادل؟ أجبته: أخبار الملتقى ومتابعته الصحفية.. كنا نجهز صفحات تضم تحقيقات وتقارير مفصلة عن الملتقى.. قال لي: إذا كانت الورقة جاهزة أحضرها؟ سألته: متى؟ فأجاب: الآن!
بعد أيام وجدت نفسي في الجلسة الأولى للملتقى، بجوار حمادي صمود وحسن الهويمل والمناصرة.. وكان الغذامي أمامي.. يتابعني بترقّب.. وأراعيه بعينِ لم تستطع إخفاء قلقها!!