عند اطلاعي على درس الحضارة الإسلامية في منهج التاريخ لأولى متوسط للفصل الدراسي الأول لعام 2019، استوقفني الآتي:
1- اقتصار المادة التاريخية لأولى متوسط في الفصل الدراسي الأول على 29 صفحة فقط، نصيب الحضارة الإسلامية 20 صفحة تتخللها صور وفراغات كثيرة، وهنا أتساءل: هل من خطط وزارة التعليم تقليص مادة التاريخ في مناهجنا الدراسية، فتم دمجها مع الجغرافيا والتخطيط والحوار، لتكون 29 صفحة فقط؟.
إنّ التاريخ ذاكرة الأمة، وأمة بلا تاريخ، بلا ذاكرة، فتقليص المادة التاريخية على حساب تاريخ أمتنا وحضارتنا يسهم في محو ذاكرتنا وذاكرات أولادنا، ويؤثر على انتمائهم الإسلامي العروبي الوطني.
2- عند الحديث عن الأساس العلمي للحضارة الإسلامية لم يشر إلى أسس قواعد المنهج العلمي التي وضعها الإسلام؛ إذ حرَّم الجدل والفلسفة والتلاعب بالألفاظ موجهًا العقل البشري إلى استخدام منهج علمي متكامل في البحث في الكون، فدعا إلى النظرة العلمية البحتة إلى الأشياء، وأرشد إلى المنهج الصحيح في المعرفة فقال تعالى: (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)[البقرة:111]، (قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا، إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) [الأنعام:148]، وقد حثَّنا الله عز وجل على ألاَّ نخطو خطوة إلاَّ بالعلم وقد وهبنا الله أدوات البحث والنظر، يقول تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) [الإسراء:36]، ورغم هذه الحقائق القرآنية التي سار على نهجها علماؤنا الأوائل، إلاَّ أننا نجد معظم الغربيين يزعمون أنّهم أصحاب المنهج العلمي، مع أنَّ جوزيف هيل في كتابه «تاريخ الحضارة الغربية» قد أقر أنّ الطريقة التي اتبعها ابن الهيثم في بحوثه وكشوفه هي المنهج العلمي.
3- عند الحديث عن العلوم الشرعية صُنّف القرآن الكريم ضمن العلوم الشرعية (ص30) وكتاب الله لا يدخل ضمن تصنيفات الفكر البشري، وهذا خطأ كبير وقع فيه معدو المنهج، كما نجدهم فاتهم ذكر التوحيد ضمن العلوم الشرعية.(ص30)
4- عند الحديث عن علم الفلك عند المسلمين: قصره معدو المنهج على عناية المسلمين بهذا العلم برصد النجوم لارتباطه بالأمور الشرعية مثل: أوقات الصلاة حسب مواقع البلدان، وتحديد مواقع البلدان وحركة الشمس: فأنشأوا المراصد لدراسة الفلك دراسة علمية وعملية دقيقة»(ص32)، فلم يوضحوا إنجازات المسلمين في علم الفلك المتصل بعلوم الفضاء في عصرنا هذا، ويمكن تلخيصها في الآتي:
• دعا الإسلام المسلم إلى إيجاد طرق لاستعمال النجوم. قال تعالى في سورة الأنعام (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْم يَعْلَمُونَ)[97]. وعلى أساس هذه الدعوة طوّر المسلمون أدوات للرصد والإبحار؛ لذا ما زال العديد من نجوم الإبحار تحمل أسماءً عربية.
• التزم المسلمون بقواعد متعددة لاستعمال مثالي للحسابات والملاحظات الفلكية. أول قاعدة التقويم الهجري حيث قال تعالى في سورة التوبة (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ). لذا لم يتبع المسلمون التقويم المسيحي أو العبري وكان عليهم تطوير واحد خاص بهم. والقاعدة الثانية هي أنّ الشهور الإسلامية لا تبدأ مع المحاق الفلكي وهو الوقت الذي يكون للقمر والشمس نفس خط الطول السماوي، وبذلك يكون غير مرئي، وبدلًا من ذلك تبدأ حين يرى الهلال أول مرة في سماء المساء الغربية وقال تعالى في سورة البقرة (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[189]، هذا ما قاد المسلمين لرصد أدوار القمر في السماء وأدت جهودهم إِلى حسابات رياضية جديدة وأدوات رصد جديدة فضلًا عن تخصيص علم لرؤية القمر.
5- وأيضًا واجب على المسلمين الصلاة في اتجاه الكعبة بمكة وتوجيه مساجدهم نحوها؛ لذا فمن المفروض تحديد اتجاه مكة من أي مكان كان. هناك عامل مؤثر آخر هو مواقيت الصلاة فيجب معرفة الأجرام السماوية بدقة واستنتاج مواعيد الصلاة منها في وقت الشروق والزوال والعصر والغروب والمساء.
للحديث صلة.