رغم تمسك السلطات السعودية بضبط النفس في علاقتها مع النظام الإيراني، والسعي بشتى السبل الدبلوماسية لإثنائه عن المضي في طريق الشر ومحاولات تفخيخ المنطقة وافتعال الأزمات وتصدير المشكلات إلى دول الجوار، إلا أن طهران مازالت تصر على سياستها الانتحارية، وتسعى دون كلل إلى إبقاء المنطقة في حالة توتر وعدم استقرار، وتواصل تدخلاتها السالبة في شؤون الدول العربية، ودعم حركات التمرد، دون اهتمام بما يمكن أن تتسبب فيه سياساتها التخريبية من تكدير صفو الأمن الإقليمي والعالمي، سعياً وراء استعادة أمجاد إمبراطورية فارسية غربت عنها الشمس ولن تشرق من جديد.
ورغبة في إلحاق الكيد السياسي بالمملكة، وسعياً وراء إضعافها -لا قدر الله- فقد دأب نظام الملالي باستمرار على تحريض عميله الحوثي لرفض كافة المساعي التي يبذلها المجتمع الدولي لإيجاد حلول سلمية للأزمة، ولتحقيق تلك الغاية يقوم بتهريب الأسلحة للجماعة الإرهابية التي ارتضت أن تلعب دور العمالة لتنفيذ أهداف إيران على حساب شعبها. وآخر حلقة في سلسلة تلك التصرفات غير المسؤولة هو ما كشفته قيادة الجيش الأميركية الأسبوع الماضي عن اعتراض سفينة إيرانية تحمل على متنها 385 صاروخاً مضاداً للدبابات وصواريخ أرض جو بعيدة المدى كانت في طريقها لجماعة الحوثيين، وهو ما يتعارض مع قرارات مجلس الأمن ويشكل انتهاكاً صارخاً للإرادة الدولية.
مكمن الخطورة لا يكمن فقط في التهديد الذي تمثله تلك الصواريخ، حال وصولها للجماعة المتمردة، على أمن وسلامة المدنيين في المناطق الحدودية السعودية، فالمملكة قادرة بحول الله على حماية مواطنيها والمقيمين على أرضها، وتملك من أدوات الردع ما يحبط كافة المحاولات الشيطانية الرامية إلى زعزعة أمنها، لكن الخطر الحقيقي يتمثل في ما يمكن أن تسببه تلك الأسلحة الفتاكة من تهديد حقيقي لأمن وسلامة الملاحة في الممرات المائية العالمية، فتلك الجماعة التي لا يتضمن قاموسها معاني الالتزام بالمعاهدات والمواثيق الدولية، ولم تعرف معنى التقيد بالنظام العالمي لن تتورع بطبيعة الحال عن استخدامها ضد السفن التجارية أو ناقلات النفط التي تستخدم تلك المعابر بصورة يومية، وهو ما يمكن أن يصيب الاقتصاد العالمي بالشلل.
ولا يخفى على أحد أن نظام طهران أصيب باليأس عقب سريان مفعول العقوبات الاقتصادية الأميركية والضغوط الهائلة التي ترتبت عليها، فحاول في مرات عديدة إعاقة حركة الملاحة في الممرات المائية الدولية، وتهديد حركة السفن التجارية والاعتداء على أطقمها، ووقف مرور ناقلات النفط العالمية، كورقة ضغط للسماح له بتصدير نفطه، كما أصدر توجيهاته لعميله الحوثي بمهاجمة المنشآت النفطية السعودية في أبقيق وخريص، وهو ما يُعد لعباً بالنار يهدد بتحويل المنطقة إلى ساحة مفتوحة الاحتمالات، لأن العالم لن يتسامح حتماً مع تلك الاعتداءات التي تؤثر على العالم برمته.
المؤسف حقاً هو أن تصرفات ساسة النظام الإيراني تثبت باستمرار أنهم مصابون بالتحجر والتكلس، ولم يتعلموا الاستفادة من أخطائهم، ويفتقرون إلى القدرة على قراءة الأحداث بصورة سليمة، وليس باستطاعتهم استشراف المستقبل بما يعود على شعبهم بالنفع والفائدة، فلا يستقيم عقلاً ولا منطقاً أن يتمسك نظام سياسي بأفكار وتوجهات ثبت فشلها لأكثر من 40 عاماً، ومع ذلك يصرون على مواجهة العالم أجمع، وتصدير المشكلات والأزمات إلى الغير، وتشكيل الميليشيات وتأجيج النزعات العرقية والمذهبية.
لكل ما سبق، فإن المطلوب الآن هو تحرك المجتمع الدولي بصورة فورية وحاسمة لوقف تلك المغامرات ومعاقبة طهران التي لن تعدّل سياساتها، ولن تتوقف عن نهجها العدواني إلا تحت ضغوط مشددة، لذلك ينبغي فرض مزيد من العقوبات عليها، وإفهامها أن السبيل الوحيد المتاح أمامها هو الانخراط في المجتمع الدولي بجدية وحسن نية، والتقيد بالمواثيق والعهود الدولية، والكف عن إشعال الحرائق في دول المنطقة والمحيط الإقليمي، والاختيار بين التحول إلى دولة فاعلة في المنطقة، أو الاستمرار كنظام مارق لن يجني من وراء سياساته الطائشة سوى مزيد من العزلة والحصار.