تتمايز الأمم والدول والمجتمعات عن بعضها البعض فكرياً وثقافياً بحسب ما تملكه من موروث تأريخي من التراث سواء في المعتقدات والقيم وكذلك الإرث الثقافي والأدبي والأصالة تُشَكِّلُ في النهاية هوية خاصة تميزها عن غيرها، وهذه الهوية هي في محل فخرٍ واعتزازٍ لدى تلك المجتمعات والأمم ومواطنيها، ولقد تميزت المملكة العربية السعودية بهويتها العربية والإسلامية لامتلاكها مخزون تاريخي زاخر بالتراث والثقافة والأصالة، وسار قادة المملكة منذ التأسيس على المحافظة على هذه الهوية الإسلامية والعربية وكانت ولازالت محل الاهتمام والاعتزاز بالانتماء إليها واحترام لقيمها الحضارية والثقافية وإبراز الشعائر الإسلامية.
على الرغم من أهمية الهوية الوطنية إلا أنه وُجِد هناك محاولات يائسة من عدة تيارات مخالفة تتبع أيدلوجيات فكرية منحرفة سعت بشكل مباشر وغير مباشر لتشويه هويتنا الوطنية وتغييرها ثم الانسلاخ من الثقافة والهوية الوطنيّة عبر تمرير أفكار ومعتقدات خاطئة وكذلك الترويج لتجارب ونماذج خارجية لا تمت لنا ولثقافتنا متجاهلين بشكل متعمد إرثنا التاريخي الثري الذي هو يعد بطبيعة الحال مصدر قوة هويتنا الوطنية السعودية.
ومن تلك التيارات المنحرفة ذلك التيار الإسلامي المتشدد والمصطلح عليه تحت اسم «الصحوة» وكان من أخطر الأفكار التي روجها هذا التيار فكرة إلغاء الانتماء الوطني من صميم الهوية العامة باعتبار أن الوطنية تخالف الوحدة الإسلامية إذ كانوا يستهينون من مفهومها ويأتي كل ذلك لأنهم يرون أن الانتماء يجب أن يكون مقصورًا فقط في الانتماء الفكري وطبعًا هنا يقصدون الانتماء للجماعة والتيار الإسلامي المتشدد وكل ذلك يأتي بحسب تفسيرهم الخاص والخاطئ للإسلام.
كما كان للتيار التغريبي أثر خطير عبر استلهامه للتجربة الغربية ومطالبته بتبني المجتمع لها تحت ذريعة نشر الحريات والدعوة للديمقراطية والترويج المطلق للأفكار الليبرالية التَحَرُّرِيّة مع انتقادهم الدائم للشريعة الإسلامية وأحكامها بشكل عام.
لقد كان لِتَبنّيَ البعض لتلك الأيدلوجيات والتأثر بأفكارها آثار سلبية نفسية وتكوينية جعلت منهم أشخاصاً يعيشون في حالة اضطراب الهوية وقصور في فهم مفهوم الهوية الحقيقية مما انعكس ذلك على انتمائهم الوطني وولائهم للوطن.
أرى أنه بات من الضرورة الملحة تعزيز مفهوم الهوية الوطنية الصحيحة وبيان حقيقة المواطنة الحقة فذلك بلا شك سيساهم بشكل كبير ومباشر في التصدي لتلك الأيدلوجيات والتيارات المخالفة وبمواجهته وكذلك في صد تأثيرات العولمة التي تهيمن الآن وخصوصاً في الإعلام العالمي.
إن أمة بلا تاريخ هي أمة بلا هوية و أمة بلا هوية هي أمة بلا مستقبل.