تشبه الحالة التي يعيشها العالم اليوم من نواحٍ عدّة حقبة الستينيات الميلادية، فلقد كان الصراع بين الفكر الرأسمالي والفكر الشيوعي على أوجِه وأشدِّه، وكانت القيادات في كلا المعسكرين من القوّة والجاذبية ما جعل الصراع يحتدم أواره، فشخصية بريجينيف، الذي يعده الكاتب البريطاني دينس هيلي واحدًا من أعظم الرؤساء في العصر الحديث، كان يمثل أحد أقطاب ذلك الصراع. وفي الطرف الآخر كان الرئيس الأمريكي جون كنيدي يمثّل التراث الأمريكي العريق ويعمل على جعل الولايات المتحدة الأمريكية قوّة يعترف بها الشرق والغرب، ولهذا كان الصراع شديدًا للسيطرة على جزيرة كوبا، ولم تستطع الولايات المتحدة الأمريكية إزاحة كاسترو واستبداده بشخصية تكون ميولها أقرب للفكر الرأسمالي. ولعل عاملاً مهمًا لعب دورًا جوهريًا في ذلك الصراع الأمريكي - السوفيتي، فلقد أصبحت أمريكا القوّة العظمى في الغرب، بعد حرب السويس عام 1956م، وانتقل مركز القرار العالمي من عشرة داوننج ستريت في بريطانيا، إلى البيت الأبيض الأمريكي، ليدخل العالم كله في قطبية جديدة.
وكانت التجربة الثانية التي أعطت الولايات المتحدة الأمريكية قوّة وتمكينًا هي سقوط الاتحاد السوفيتي، فعندما زار نائب الرئيس السوفيتي غورباتشوف بريطانيا عام 1984م وقفت رئيسة الوزراء البريطانية آنذاك مارغريت تاتشر لتقول بلغة واضحة وجلية: نستطيع أن نعمل معًا. وكانت في تلك العبارة مدللة على أن غورباتشوف سوف يسير في الركاب الغربي، وترك الإمبراطورية السوفيتية تتمزق إربًا إربًا. وما وجود بوتين اليوم، والمصطنع أحيانًا إلا للتنفيس عمّا يجيش في نفسه، وخصوصًا أنه كان مسؤول الاستخبارات السوفيتية، فهو رجل الماضي والحاضر معًا، وهو القادر في بعض الأحيان على أن يجعل القوّة المتصارعة تصطدم بعضها بالبعض دون أن يفقد شيئًا من مكانته ومن جيشه. ولقد كان الأهم عنده هو الإحساس الصهيوني، وأخذ الموافقة من الكنيست الإسرائيلي على كل الخطوات التي يقوم بها الاتحاد السوفيتي في سوريا.
إن المتأمل لتلك الحقبة المحتدمة من الصراع الرأسمالي - الشيوعي يقف بجلاء ووضوح على الدور الخطير والكبير الذي لعبته الآلة الإعلامية لكلا المعسكرين في الترويج لمواقفهما المتباينة والمختلفة، فعلى الرغم من محدودية تلك الأدوات من الناحية التقنية؛ إلا أن أثرها كان عظيمًا ونافذّا في التجييش واكتساب المناصرين، لينقسم العالم كله بلا استثناء بين هذين المعسكرين، وأثر ذلك لمسناه في ساحتنا العربية على وجه التحديد، حيث شهدت تلك الفترة انشطارًا في المواقف وتبايناً بين الأنظمة الحاكمة تبعًا للاقتراب والموالاة لأحد المعسكرين، الأمر الذي جعل القرار العربي -في الغالب العام- رهنًا للعلاقات مع طرفي المعادلة العالمية، وتم تجيير الآلة الإعلامية العربية في أكثر من دولة لصالح أيديولوجيا الطرف الذي تدين له بالولاء والالتزام.
ومع تجدد هذا الصراع وتمظهره في صور جديدة في وقتنا الحاضر، فإن من المهم والضروري أن يحدد العالم العربي له موقفًا يمثله ويمثل مصالحه الجوهرية ويخدم استراتيجياته الكبرى، ويناصر قضاياه المركزية، بعيدًا عن مجانية العطاء الذي يقدم للمعسكرين دون أن يحصل العالم العربي من ذلك على ما يخدم مصالحه وقضاياه. ولا شك أن للإعلام دوراً وأي دور في المرحلة المقبلة، بخاصة وأن وسائله وأدواته صارت أكثر تقدمًا من الناحية التقنية، وأوسع انتشارًا من حيث تعدد المنافذ وطرق الإيصال والتأثير، بما يحملنا إلى مناشدة وزير الإعلام المكلف حديثًا، الدكتور ماجد القصبي، -بعد مباركتنا لنيله هذه الثقة الملكية الغالية- إلى استغلال كل المتاح والممكن في عالم الميديا اليوم في صالح إيصال رسالتنا السياسية والفكرية والثقافية، القائمة على التسامح والوسطية والاعتدال، بما يجعل من الصوت العربي عامة، والسعودي خاصة ذا أثر وتأثير في العالم أجمع، ويقيني أن ذلك ليس بالأمر الصعب، قياسًا على مكانة المملكة العربية السعودية قديمًا وحديثًا وفي هذا العصر الزاهر، واستنادًا إلى مؤهلات الوزير الجديد، والكوادر المساندة له، فكل ذلك يوسِّع من تطلعاتنا، ويزيد من مساحة الأمل فينا بغد أكثر إشراقًا وتوقعًا لخطاب إعلامي سعودي وعربي مؤثر يخدم قضايانا المركزية، ويطرح أفكارنا ورسالتنا الخالدة بشكل مقبول ومؤثر وفعّال، والله نسأل التوفيق والسداد والرشد.