Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عدنان كامل صلاح

من هي الدولة العميقة؟

A A
تكررت شكوى الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، من «الدولة العميقة» بحجة أنها تسعى لتعطيل عمله وتشويه ما يعتبره إنجازات له. واعتبر أن «الدولة العميقة» تعمل لصالح الحزب الديموقراطي الأميركي المنافس لحزبه، الحزب الجمهوري، وأنه منذ أن فاز بالرئاسة وأجهزة الإعلام والحزب الديموقراطي وباقي ما يعتبره «دولة عميقة» يسعون إلى تشويه صورته وإنجازاته ولا يعطونه حقه كرئيس نجح في رفع مستوى الاقتصاد في البلاد وفاوض أطرافاً أجنبية أدت الى تحسين شروط التجارة فيما بين أميركا وتلك الأطراف لصالح الاقتصاد الأميركي. وأبرز العاملين على تشويه صورة إدارة دونالد ترمب هي أجهزة الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة، بالإضافة الى وسائل التواصل الاجتماعي. وتكاد أن تكون قناة فوكس التي تميل عادة إلى اليمين الوحيدة بين القنوات التلفزيونية الرئيسية التي تؤيده وتعبر عن إعجابها بما يقوم به (لاحظت في الأيام القليلة الماضية أن شبكة تلفزيونية إقليمية تعمل في العالم العربي أعلنت عن استبعاد قناة فوكس من باقة المحطات الإخبارية التي تنقلها وأبقت على السي إن إن وغيرها من القنوات الأميركية الأخرى) . وكان من الواضح أن مسئولين سابقين وحاليين سعوا خلال حملة عزله التي تمت في الكونجرس للانحياز لمن يطالبون بعزل ترمب.

ولاشك أن شخصية دونالد ترمب الجدلية وما يثيره حول نفسه من لغط عبر تصريحاته وتصرفاته تساعد خصومه على استغلال كلامه وأسلوب عرض قضاياه في التقليل من أهمية ما يقوم به أو يشككون فيه. ومن الواضح في نفس الوقت أن الرجل كسب شعبية في أوساط قطاع لا يستهان به من الناخبين وأن لديه أجهزة وأفراداً من اليمين المتطرف بشكل رئيسي تعمل وتدعم مواقفه وسياساته التي يعمل على تنفيذها واقتراحها (جيشاً) من العاملين في البيت الأبيض وخارجه تسعى لتغيير الوجه الليبرالي لأميركا وسياساتها داخلياً وخارجياً.

ويبرز السؤال هنا: ماهي الدولة العميقة، التي يتكرر الحديث عنها لا على لسان ترمب فحسب بل وفي أكثر من بلد بمختلف أنحاء العالم؟.

ففي أميركا جرى الحديث عند إنشاء وكالة الإستخبارات المركزية الإميركية CIA عن ظهور دولة عميقة وتطورت الصورة بعد ذلك لتشمل الدولة الأميركية العميقة شبكات السلطة السياسية في واشنطن والسلطة الاقتصادية والمالية في وول ستريت والأجهزة الإعلامية ومجموعة من شبكات المصالح المختلفة بما فيها الأجهزة الأمنية والعسكرية. والظاهر الآن أن ليس كل هذه القوى متكاتفة بمواجهة دونالد ترمب وإدارته حيث يستفيد جزء منها من سياسات ومواقف الإدارة الأميركية الحالية . ولا شك أن أغلب الدول توجد بها ما يسمى دولة عميقة حيث تلتقي مصالح عدد من مكونات الدولة كالجيش والمؤسسات البيروقراطية المدنية والأمنية والأحزاب أو القوى الحاكمة بحيث تتكاتف جهودها أو بعضها في مرحلة ما ويتألف منها ما يمكن تسميته بالدولة العميقة بهدف الحفاظ على مصالح الدولة كنظام حكم.

وتشير بعض الدراسات أن تركيا كانت أول دولة تكوَّن فيها تحالف الدولة العميقة حين تكاتفت مجموعات من الشرطة وضباط القوات المسلحة وبعض رجال القضاء والبيروقراطيين ومصالح أخرى أطلق عليها حينها مسمى تركي بمعنى الدولة العميقة هدفها حماية علمانية الدولة التركية بعد قيامها على يد مصطفى كمال أتاتورك (عام 1923). وتولت الشبكة أعمالاً سرية هدفت إلى المحافظة على الدولة كما أقامها أتاتورك. وقد قام رجب طيب أردوغان بتفكيك جزء لا يستهان به من هذه الشبكة في عمليات تسريح واعتقال واغتيال شملت مئات الآلاف في القوات المسلحة والدولة والقضاء والإعلام والجامعات خلال السنوات الأخيرة. وظهرت في مصر الدولة العميقة بشكل بارز خلال حكم الرئيس المصري محمد مرسي وساعدها قيام ثورة شعبية ضد حكمه..

وتسعى «الدولة العميقة» حيث تكون للمحافظة على كيان الدولة كما تراه والمحافظة على المصالح المتشابكة فيها. ومن الصعب جداً إحداث تغيير بوجود هذه الدولة، كما أنه من الصعب الخلاص منها بدون تفكيك وإضعاف الدولة نفسها. ونلاحظ أن أميركا دونالد ترمب ترغب في كسب أربع سنوات حكم إضافية تتمكن خلالها من تغيير مفهوم «الدولة العميقة» الليبرالية لإحلال دولة عميقة محافظة فيها .. وأي نجاح قد يتحقق لهذه الجهود سيكون نجاحاً جزئياً ولكنه يمهد لقيام نظام أميركي جديد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store