بوضوحٍ لا لبس فيه ولا غموض، وبمنتهى الشفافية، كشفت القرارات الملكية التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين مؤخراً باستحداث ثلاث وزارات جديدة، للرياضة، والسياحة والاستثمار عن مضي الدولة في التطبيق الفعلي والشامل لما جاءت به رؤية المملكة 2030، وبداية صفحة جديدة في تاريخ بلادنا المشرق، ستكون بإذن الله أكثر خيراً وأشد إشراقاً.
نظرة سريعة للوزارات الثلاث توضح بجلاء اهتمام المملكة بتعزيز الاستثمار وجذب المزيد من رؤوس الأموال، من داخل وخارج البلاد، لاسيما في مجال السياحة، فقد هدفت الرؤية في أكثر من موضع إلى تحرير الاقتصاد السعودي من التقليدية، واستشراف مستقبل أكثر تجدداً، والاستفادة من الإمكانيات الكبيرة التي تنعم بها بلادنا، وما حباها به الله سبحانه وتعالى من محميات طبيعية وشواطئ ساحرة وصحارٍ تخلب الألباب. ولا يخفى على أحد أن استثمار هذه الإمكانات الطبيعية لتقليل الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل يحمل في طياته العديد من المضامين، ويتسق مع مبادئ التنمية المستدامة التي تركز أولاً على عدم استنزاف الموارد، والإفادة من كافة المقدرات الطبيعية، بما يضمن استمرار الأجيال المقبلة منها.
كذلك كان لافتاً تحويل الهيئة العامة للرياضة إلى وزارة، وتعيين الأمير عبد العزيز بن تركي الفيصل على رأسها، ليكون أول وزير رياضة في تاريخ المملكة، فالخطوة تتماهى أيضاً مع توجهات الرؤية التي أولت قطاع الشباب جل عنايتها، ودعت إلى استثمار طاقاته الواعدة، وتطوير مقدراته وزيادة مهاراته لإحلاله محل العمالة الوافدة، لتحقيق مبدأ الأمن الاجتماعي. والاهتمام بالرياضة يجيء لأنها لم تعد مجرد لعب ولهو كما يعتقد البعض، بل صارت صناعة ضخمة يمكن أن تسهم بنصيب مقدر في زيادة الدخل القومي. وقد برهنت القيادة بالفعل وليس بالقول اهتمامها بالشباب وثقتها في قدراته، من خلال الدفع بجيل جديد ووضعه في مناصب قيادية، للاستفادة من الطاقات الهائلة التي يملكها، بعد أن تلقى أفراده التعليم العالي في أرفع جامعات العالم ومعاهده، ونالوا من الخبرات ما يؤهلهم لحمل تلك الرسالة العظيمة.
كذلك فإن قرار دمج وزارة الخدمة المدنية إلى وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، في وزارة واحدة تسمى «وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية» يتناسق مع التوجه العالمي في هذا الشأن، والحرص على ربط إدارات القوى البشرية بالتنمية الاجتماعية، باعتبارها المستفيد الأول من تلك البرامج التنموية، وهو توجه ستظهر آثاره الإيجابية بإذن الله خلال السنوات القليلة المقبلة.
من العناصر الإيجابية ذلك التدرج المنطقي الذي تتبعه القيادة الرشيدة في إنزال أهداف الرؤية على أرض الواقع، فالمتابع لسلسلة القرارات التي صدرت خلال الفترة الماضية يلحظ ذلك بوضوح، فما إن يتم الانتهاء من تنفيذ أحد الأهداف حتى يتم الانتقال للهدف الذي يليه في الأهمية، دون استعجال يخل بترتيب الأولويات أو إبطاء يضر بوتيرة العمل.
هذا التدرج السلس له جانب آخر في غاية الأهمية، فإضافة إلى ضمان تحقيق الأهداف المرصودة، فإنه يعزز ثقة العالم في أن المملكة تتبع أسلوباً علمياً حديثاً لتنفيذ الرؤية التي سارعت كبريات الشركات العالمية إلى المشاركة في تحقيقها، وأنها تسير وفق الخطة المرصودة سلفاً، دون تعجل أو قرارات ارتجالية.
كذلك أثبتت سلسلة القرارات الأخيرة أن القيادة الرشيدة تمضي بقوة في تنفيذ متطلبات الإصلاح على كافة المستويات والقطاعات، وفق الجدول المحدد سلفاً، وأنها لن تتغافل عن أي تقصير يظهر هنا أو هناك، من أي مسؤول أو أي جهة، وأن عين الرقابة والمتابعة ترصد جميع المسؤولين، وأن التقييم المستمر للأداء هو الذي يحدد مدى استمرار المسؤول من عدمه، وأن ارتفاع وتيرة الأداء على مستوى القيادة يتطلب من الجميع عدم الركون إلى الأساليب العتيقة والتقليدية في العمل، فالبيروقراطية لم يعد لها مكان في عالمنا، والروتين أصبح من مخلفات الماضي، ومصلحة الوطن ورفاهية المواطن فوق كل اعتبار.