· لو سألت عشرة أشخاص عن معنى السعادة؛ فربما تخرج بعشرة تعريفات مختلفة!، ذلك لأن مفهوم السعادة يختلف من شخص لآخر باختلاف قناعاته وحاجاته وثقافته، ففي حين يرى البعض السعادة الكبرى في الثراء المالي قد يراها آخر في النجاح الشخصي وقد يراها ثالث في الأبناء وهكذا. ولكن الأكيد أن السعادة حالة وليست سمة دائمة، إنها حالة قابلة للتغيير تتساوى مع الشعور بالرضا أو المتعة والسرور، وهنا لا يجب الخلط بينها وبين مشاعر الفرح أو النشوة الطارئة، أو غيرها من المشاعر الأكثر حدة.
·على أية حال ومهما كان تعريف السعادة من وجهة نظرك؛ فلاشك أن الإطار العام لهذا المفهوم قد تغير كثيراً خلال العقود الثلاثة الأخيرة، فبعد أن كانوا يقولون قديماً إن المال لا يستطيع شراء السعادة، يبدو أن هيمنة الرأسمالية على العالم وتحويلها للطعام والملابس والموسيقى والأفلام وكل شيء في حياة الناس الى سلع، قد غيّر هذا المفهوم كلية، فقد أصبح الناس يشترون السعادة بالفعل، بل أننا أصبحنا نضحي بحاجات إنسانية أساسية، وببعض الاخلاقيات أحياناً من أجل السفر وشراء الملابس والطعام واقتناء الهواتف؛ لأن ذلك يمنحنا شعورًا بالرضا والتحسن النفسي!.
· عبر التاريخ لم تصل الفجوة بين الفقراء والأغنياء مثلما وصلت اليه في هذا العصر الذي يلعب فيه الرفاه المالي دورًا مؤثراً في تحقيق شيء من المتعة والبهجة، وبعد أن كان القول بأن السعادة سلعة يمكن شراؤها يعد جنوناً محضاً في وقت من الأوقات، اختلفت الأمور، ولم تعد السعادة مجرد سلعة يمكن شراؤها فحسب، بل أضحت سلعة أساسية تلهث خلفها المجتمعات بعد أن نجحت الشركات العالمية الكبرى في ترسيخ المعنى الذي يقول: (الناس السعداء هم مواطنون أفضل!). ان هذا الربط الزائف بين الشراء وبين السعادة المفترضة، هو ما كوّن صورة ذهنية -خاطئة طبعا- في عقل المستهلك تشده نحو الشراء اللاعقلاني، بل تطور الأمر إلى شراء منتجات لا حاجة له فيها، لمجرد اقتناعه أن الاستحواذ عليها سوف يمنحه السعادة والمكانة الاجتماعية والصورة العصرية.
· من وسط ضجيج الشركات واعلاناتها الصاخبة التي تمارس اللغط الاقتصادي والتشويش على مفهوم السعادة الحقيقي من خلال شعارها (سعادة أكبر = شراء أكثر) يقول ماكس روجر، أستاذ الاقتصاد بأكسفورد: «ان العالم لديه المزيد من الأسباب ليكون أكثر سعادة من أي وقت مضى، من خلال العمل على تحسين معدلات الفقر، والأمية، والصحة، والحرية، والتعليم في العالم». وهذا ما يتفق معه فيه أثرى أثرياء العالم مثل بيل جيتس ومالك أمازون جيف بيزوس اللذين سخرا ثرواتهما في تحقيق السعادة من خلال مفاهيم العطاء والبذل الإنساني.
· السعادة في رأيي الخاص حالة رضا داخلية ناتجة عن قناعات الشخص؛ ومدى تحقيقه لها، وبهذا التعريف يتأرجح مفهوم السعادة ويختلف باختلاف رؤى الناس وقناعاتهم، فما تراه أنت قمة السعادة قد لا يراه غيرك كذلك، لذا إن كنت ترى أن السعادة سلعة يمكن شراؤها بالمال، فلا تستنكر على من يرونها تتمثل في أمور روحية كالعطاء والبذل والعمل الإنساني.