أعتبر نفسي بحكم اشتغالي الإعلامي والثقافي الطويل مُتابعة جيدة لما يطفو على سطح إعلامنا وما في دهاليزه؛ لهذا سأكتب بشفافية عالية واختصار يفي بهذه المساحة، فيما أراه سببًا رئيسًا لجعل إعلامنا المحلي يُقدم ما لا يناسب المرحلة المُعاشة؛ بينما نحتاج إلى إعلام يتوازى مع ضخامة المشاريع التنموية وهِمة جبال طويق العالية التي نتمتع بها كسعوديين، وأن يكون إعلامنا قادراً على تقديمنا للآخر بما يليق بمنجزات إنسان هذا الوطن سياسيًا وأمنيًا وعلميًا وإنسانيًا وثقافيًا؛ فالإعلام بمثابة قنطرة لنا في عالم متسارع التطور إعلاميًا؛ ولذلك يحتاج أن يكون من يقوده بمواصفات عالية يرى المستقبل جيدًا كي يقدم السعودية وخصائصها وما تتمتع به من اتساع ثقافي وتعددية إقليمية تُمازج بين أصالة الهوية ومعاصرة الحياة وعراقة التاريخ، خاصة بعدما توفرت له الإمكانيات التي دعمتها رؤية السعودية 2030 وكان سابقًا عدم وجودها حجة ضعفه.
ولعلّ طرح سؤال قد يوصل معاليكم إلى ماهية الأزمة، وهو: لماذا «لعبة الكراسي» تدور في دوائر «إعلامنا» غالباً على الأسماء ذاتها!؟ وفي القليل حين نجد اسمًا جديدًا؛ مع التأكيد أنه ليس كل إعلامي يمكن أن يكون قياديًا، كما ليس كل أكاديمي متخصص في الإعلام هو إعلامي، فهل لدينا أزمة قيادات إعلامية؟!، أم أزمة تسويق إعلامي!؟.
والقيادة الإعلامية التي أعنيها هي القيادة بالمعنى الحديث لمفهومها، المتمثل في «القيادة الكريمة» التي تُعلي من المصلحة العامة للمهنية على مصالحها الشخصية، فتبني وتدرب قيادات جديدة تُمكنها من الحلول محلها دون خشيتها، ولا تتعامل مع المنصب بمزاجية ولا كوظيفة يجب المحافظة على مكتسباتها، وتهدف للوصول به لأن يكون «سلطة رابعة» تعين القيادة الرشيدة وتكون عينها التي تحتاجها في رؤية 2030، والتي تعمل حاليًا بكل فخر على بناء مدينة إعلامية بمعايير عالمية.
معالي الوزير د. ماجد القصبي -وفقكم الله- نحن بحاجة إلى من يتعامل مع وظيفته في إدارة الإعلام بأخلاق مهنية وعمل إبداعي يسعى فيه إلى استثمار وتقدير الكفاءات السابقة بجانب صناعة نجوم جدد وفق معايير الكفاءة المهنية، فإعلامنا لم يبدأ اليوم بل منذ عقود طويلة؛ ومن لا يقدر تاريخه فلن يكون قادرًا على صناعة حاضره ولا رؤية مستقبله! إننا بحاجة لمن يُحقق به طموحات وطن بحجم «السعودية» الدولة القوية التي هي ضمن قوى «مجموعة العشرين» تستضيف منتداه هذا العام وتترأسه.
إننا بحاجة لمن يستوعب طموحات رؤية 2030 السعودية؛ ومعاليكم ممن له دور بارز في وزارتكم الموقرة قبل تولي حقيبة وزارة الإعلام بـ»تمكين الكفاءات النسائية السعودية» وكم نحتاج في الإعلام السعودي إلى تمكينها ككفاءة تتيح بنجاحها الفرص لتوسيع مساحة وجود زميلاتها وتكون عبر الإعلام مرآة عاكسة لتمكينها في قطاعات الدولة؛ فهل يتصور معاليكم أنه كان لدينا قبل أربعين عامًا أول رئيسة تحرير سعودية هي د. فاتنة شاكر، وأول مديرة تحرير هي د. خيرية السقاف؛ وكان المأمول اليوم رؤية تواجد لعدد أكبر لقيادات نسائية إعلامية، لكن حتى اليوم ورغم تمكين المرأة في أصعب المجالات منذ انطلاق الرؤية عام 2016 فإنه ليس لدينا واحدة!.
بكل شفافية يا معالي الوزير إن من أهم أسباب ضعف محتوى الإعلام المحلي هو افتقار العمل الإعلامي إلى التقييم المهني وتقدير الكفاءات والغلو في المجاملات؛ وانحراف رؤيته عن الهدف الأسمى برفع الوعي وتطوير المعرفة الطموحة مع رؤية 2030 لدى الجمهور عبر قوالب إعلامية ممتعة وجاذبة؛ إلى هدف فقير تمثل برفع معدلات المشاهدة وجذب المعلنين بتقديم وجبات إعلامية أشبه ما تكون بالوجبات السريعة مُغرية في شكلها فقيرة في قيمتها الغذائية! هكذا أصبحنا نرى مشاهير «السوشال ميديا» في إعلامنا يخصص لهم مساحات أكثر من المثقفين والمبدعين والعلماء والأطباء والاقتصاديين إلا قليلاً؛ وأغرقت برامجه في الترفيه والتقليد والتكرار، فانصرف عنها الجمهور ممن باتوا أكثر ثقافة وتطورًا منها، في ظل قنوات إعلام مفتوح وذكي يقدم لهم الجديد ويفي بمتطلباتهم.
أخيرًا؛ أنه بالرغم مما نكتنزه من ثقافة ثريّة متعددة ونهوضنا بمشاريع ثقافية كبرى فليس لدينا قناة ثقافية، ورغم تأثير السعودية السياسي الدولي فليس لدينا قناة تقدمنا بلغات الآخر «إنجليزية، وفرنسية» ورغم اهتمامنا بالطفولة فليس لدينا قناة «للأطفال» علمًا أنها كانت قنوات موجودة منذ سنوات؛ وبدلاً من تطويرها لتتوازى مع رؤية 2030 التي تحتاجها تمّ إغلاقها بكل بساطة!!