اعتادت الحكومة السعودية دعم القطاع الخاص وتحفيزه وتذليل كافة الصعوبات والمعوقات التي تعترض طريقه، إيماناً بدوره الكبير في الاقتصاد الحديث، وإسهامه المهم والأساسي في التنمية الاقتصادية والبشرية والقضاء على البطالة، ومنافسة القطاع العام في توفير السلع والخدمات، وزيادة الدخل القومي، وتقليل الاعتماد على الواردات وزيادة الصادرات، وانعكاس ذلك على زيادة دخل الفرد، إضافة إلى قدرته على استيعاب أعداد كبيرة من الشباب، وأهميته في عملية التنمية، حتى بات المحور الرئيسي في هذه العملية التي لا يمكن أن تكتمل بدون مشاركته الفاعلة.
لكل تلك الأسباب فتحت الدولة المجال واسعاً أمام القطاع الخاص كي يقوم بالدور المنتظر منه، وأتاحت حزماً من الدعم وأدوات التحفيز مما لا يسمح المجال بذكرها كلها، مثل تقليل نسب الجمارك والرسوم والعوائد وإعفائها في كثير من الحالات. وجاءت رؤية المملكة 2030 لتنص على الدور الأساسي الذي يجب أن يلعبه القطاع الخاص في إحداث التنمية الشاملة، ووضعت عدداً من البرامج والمحفزات لتحقيق هذا الهدف، حتى تصل مساهمته إلى 65% من الناتج المحلي الإجمالي. كما أقرت في ذات الصدد مجموعة من الإجراءات التي تؤدي لتطوير هذا القطاع وتعيد تأهيله عبر تخليصه من نمط التعامل التقليدي الذي كان يستند إلى الاعتماد على الإنفاق الحكومي. كما ركزت الرؤية على تطوير أدوات عمل القطاع، من توفير للتدريب وإتاحة لفرص الاحتكاك مع كبريات الشركات العالمية، بما يؤدي في النهاية إلى زيادة المعرفة والاطلاع على تجارب ناجحة على المستوى العالمي.
آخر خطوة في سلسلة هذا الدعم هو القرارات الجديدة التي أعلنها وزير المالية محمد الجدعان خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الصحة الدكتور توفيق الربيعة، والتي تهدف إلى دعم قدرة القطاع الخاص والتخفيف من الآثار المترتبة على انتشار فيروس كورونا، ورفع مساهمته في تحفيز التنمية الاقتصادية، وتتضمن تأجيل رسوم الخدمات البلدية لمدة 3 أشهر، لأكثر من 1400 نشاط اقتصادي، وذلك ضمن سلسلة تدابير عاجلة بقيمة 120 مليار ريال. إضافة إلى تأجيل تحصيل الرسوم الجمركية على الواردات لثلاثين يوماً، والإعفاء من المقابل المالي على الوافدين المنتهية إقاماتهم من تاريخه وحتى 30 يونيو 2020، وتمديد فترة الإقامات الخاصة بهم لمدة ثلاثة أشهر دون مقابل، إلى غير ذلك من الإجراءات وحزم الدعم ذات الصلة.
مما يثلج الصدر هو أن الدولة في خضم سعيها الحثيث لمحاصرة الفيروس واستئصاله واجتثاث خطره، وتسخير كافة إمكاناتها ومقدراتها لضمان صحة مواطنيها والمقيمين على أرضها، والإسهام مع دول العالم المتقدمة في إيجاد دواء للمرض، لم تنسَ أهمية مد يد الدعم لمؤسسات القطاع الخاص، وتقديم كل ما يساعده على أداء دوره، والإسهام في تحمل الخسائر التي ستنجم لا محالة عن الإجراءات الاحترازية، وهو ما يثبت الاهتمام الكبير بهذا القطاع، والدرجة العالية من الأهمية التي توليها إياه القيادة الرشيدة في أعلى مستوياتها.
هذه التدابير الإيجابية، وهذا الاهتمام المتعاظم من قبل السلطات المختصة يثبت اهتمام الدولة برجال الأعمال، وحرصها على ضمان مصالحهم، والأهمية التي يحظون بها، والدور الذي ينتظر منهم الاضطلاع به، وهو ما يستوجب منهم مقابلته باهتمام مماثل، والعمل على تحقيق المصلحة العليا للوطن، بعيداً عن النظرة الضيقة التي لا تتسع لأكثر من المصالح الآنية، والإسهام الجاد في برامج المسؤولية المجتمعية، وإنزال كل تلك المعاني الجميلة على أرض الواقع، فالشركات الوطنية لا ينبغي أن تركز كل جهودها على مجرد تحقيق الأرباح فقط، بل عليها الإسهام في تحقيق متطلبات التنمية المستدامة، والمساهمة في برامج المسؤولية الاجتماعية التي لم تعد مجرد تطوع بل باتت واجباً أخلاقياً ووطنياً. كذلك فإن مسؤولية صيانة أمن المجتمع وتحقيق تطلعات أفراده لا تقع فقط على عاتق الحكومات، لأن هذا المجتمع قدم الكثير لرجال الأعمال ولكافة أبنائه، وآن الأوان كي نرد جزءاً من الجميل للوطن، الذي منحنا مبررات الوجود وعوامل النجاح وأسباب الفخر، ولم يبخل علينا بشيء، ويكفي أن يكون مجرد ذكر اسمه مدعاة لرفع رؤوسنا.