يبقى الأديبُ أحمد عبد الغفور عطار واحداً من الرواد الملهمين الأوائل الذين قدّموا الأدبَ على منصاتِ الصحافةِ الورقيةِ في قوالبَ إبداعيةٍ محاطةٍ بمفاهيمَ دينيةٍ أصيلةٍ مزجتْ جمالَ اللغةِ بعُمقِ الفكرِ، وارتقاءَ النفسِ بشموخِ معارفِها.
لم يكنْ هؤلاءِ يضيقون ذرعاً بالآخر.. أو يُقصونه بأُحادية مَقيتة.. أو ساديةِ رأيٍ مُستبدّة.. بل لكلٍ منهم آراؤه المستمدَّةُ من بيئته الخاصةِ التي انعكستْ تأثيراتُها على مُخرجاتِ كلِّ فريق.
ولعل ما كان يدور من سجالاتٍ على صفحاتِ صحيفتي المدينة وعكاظ زمنَ صحافة الأفرادِ ثم صحافة المؤسساتِ خيرُ شاهدٍ على ما نقول.
وقد اطلعتُ مؤخراً على ما كتبه المؤرِّخُ المختصُّ بتدوينِ السيرِ الذاتيةِ الأستاذ محمد القشعمي في صحيفةِ الجزيرة تحت عنوان (نثار يحيى زكريا) والذي أبحرْنا معه مُيمِّمين إلى ذلك الزمنِ الجميلِ.. إذ نقلَ الكاتبُ تفاصيلَ بعضِ تلك السجالاتِ التي دارتْ بين الأديب أحمد عبد الغفور عطار رحمه الله مؤسسِ صحيفةِ عكاظ والذي كان يرأسُ تحريرَها آنذاك.. وبين الكاتبةِ نثار يحيى زكريا التى كانتْ ترمزُ لاسمها ب (ن. ي) في ردودِها عليه على صفحاتِ صحيفةِ المدينة.
ولعل أبرزَ تلك السجالات.. ذلكم الذي نُشر عام ١٣٨٣هجرية.. واستنكر فيه العطارُ وصفَ النساءِ بالجنسِ اللطيفِ معتبراً أن الرجلَ هو الأحقُّ بهذا الوصف، لأنه -في نظرِه- أجملُ وأرقُّ وأرحمُ، أما المرأةُ فهي -في رأيه- الأقسى، لهذا أُسندتْ إليها مهماتُ التمريضِ وتربيةِ الأبناء، بل هى عنده أقسى بإحساسها، والدليلُ تحمُّلُها آلامَ الولادة..
فانبرتْ له السيدة (نثار) بالرد تحت عنوان «إلى من أراد أن يكون رمزَ الجمال».. مُفنِّدة آراءه، ناقلةً صوراً حيةً من المعاناةِ التي تتحمَّلُها المرأةُ، متسائلةً: «هل التضحيةُ التي تتحمَّلها المرأةُ وتكتمُ آلامَها هي في نظركَ قسوةٌ وعدمُ إحساسٍ؟!»، مضيفةً.. «لقد قلبتَ الأوضاعَ يا سيد عطار، حتى الجمالُ نَسَبتَه لكم.!!...».
ذلك نموذجٌ من سجالاتِ الماضى التي نتوقُ لها في حاضرِنا.. والتي كان يكلأها الأدبُ والثقافةُ بجمالياتِهما، ودماثةُ الخلقِ التي كانتْ تنأى بأطرافِ الحوارِ عن إسقاطاتِ الشخصنةِ وتداعياتِ الانتقاص أو هوس التشفّي ونشوة الانتصار.
ولعل القارئَ يسألُ.. ومَنْ هي السيدة (نثار) ؟، وأجيبُ: إنها والدةُ معالي السيد إياد أمين مدني، التي وجدتْ في بيتِ زوجِها السيد أمين مدني بيئةً ثقافيةً واسعةً حيثُ كان مع أخيه السيد عبيد مدني -يرحمهما الله- من أعلامِ مثقفي المدينةِ المنورة.
وقد نهلتْ من مَعينِ مكتبةِ زوجِها من الثقافة أغزرها، ومن المعارفِ أشملَها، فجعلتْ منها الكتابةُ الصحفيةُ وكتابةُ القصةِ إحدى رموز الأدب النسائي السعودي..