يمضي أكثر من ثلاثة مليارات شخص حول العالم في الحجر الصحي بسبب انتشار فيروس كورونا.. ذلك الجندي الصغير من جنود الله الذي أرسله ليوقظنا من سبات عميق، ومن غفلة جثت على عقولنا وأفئدتنا نحو قدرة الخالق علينا وأنه إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون..
عبر عقود سابقة حدثت تغيرات كبرى في مفاصل حياتنا فرضتها الدول العظمى ولدت من رحم وهم الغطرسة والجبروت؛ ففرضت علينا عولمة هيمنت على عقولنا وسلوكياتنا وطريقة معيشتنا فألغت الكثير من قيمنا وأخلاقنا لنبقى في دائرة القطب المهيمن.. ولكن تلك القوى في الحقيقة فشلت في مواجهة هذا الجندي الصغير.. فكل طائراتها وصواريخها وغواصاتها الذرية وعدتها وعتادها لم تستطع مواجهة ذلك الجندي الخفي.. واكتشفنا فجأة وهم العولمة؛ فالأسرة المسلمة فقدت ترابطها من مشاغل الحياة ومادياتها ووسائل التقاطع الاجتماعي التي أنتجتها لنا؛ ولكن هذه الأزمة أعادت للأسرة مكانتها وبدت حديقة غناء بالدفء والحميمية.. وعدنا إلى حياتنا التي أرادها الله لنا لنعيد للحياة جمالها.
نعم أعادت كورونا التوازن لحياتنا فعرفنا أن شرب كوب من القهوة في المنزل أفضل من آخر في مقهى يبيعها بعشرات الريالات، وأن طعام أُعدَّ في المنزل ألذُّ من طعام لا نعلم من صنعه وكيف طُهي.. ؟!، بل تعلمنا أن الخروج اليومي.. والتسكع في المولات والذهاب للمنتجعات والسفر في كل إجازة ليس إلا هدراً للوقت والصحة والمال.. والذي لو بقينا في المنزل لجمعنا العفو والعافية. أيقظ هذا الجندي الصغير فينا قيمنا وأخلاقنا ومبادئنا في مناخات اجتماعية وإنسانية نادرة، فعرفنا معنى حب الوطن الذي أغدق علينا حبه وعطاءه، وأن ذرة من ترابه تساوي الدنيا بما فيها، نعم كورونا حررتنا من حب الذات القائمة على الماديات وأعادتنا الى الحب الحقيقي لله سبحانه وتعالى ورجائه والخشوع له والتوبة إليه.
وحقيقة فقد كانت خطبة الجمعة الماضية 17 /8 /1441هـ للشيخ الدكتور فيصل غزاوي، من أروع الخطب والتي أرى أن تقوم وزارة الإعلام بترجمتها لجميع لغات العالم وبثها في القنوات الفضائية؛ خاصة أننا قد شاهدنا الرئيس الصيني يزور مسجداً ويطلب من المسلمين هناك الدعاء لله لإزالة الوباء، بل شاهدنا قسيسين يحولون كنائسهم إلى مساجد، وترامب يخصص يوماً للصلاة لله. بل أرى ضرورة تضمينها في مناهجنا الدراسية في كافة المراحل لأنها شملت قيماً ومعاني عقدية وإنسانية شاملة في كيفية مواجهة الأزمات والكوارث التي تصيب الإنسانية: ولعلي أذكر بعضاً منها في هذا العجالة:
- أهمية العقيدة الصالحة التي يجب أن تبنى على الإيمان بالله، وأنه الخالق المدبر للكون وأنه بيده ملكوت كل شيء وإليه الرجوع والمآب.
- إن الدنيا دار ابتلاء وليست دار بقاء، وأنه يذيق عباده البلاء ليكون محنة ومنحة ليوقظهم من غفلتهم ويذكرهم بنعمه التي لا تعد ولا تحصى.
- إن الإصابة بالبلاء هو خير ساقه الله إلينا حتى اذا هذبنا هيأ لنا أشرف المراتب في الآخرة.
- إن الكروب تكون للعبد يقظة وإفاقة وهي للعقلاء الذين يجدون في هذا الكرب بصيرة ومحاسبة للنفس فيستدفعون البلاء بالعودة لأحكام الله وسُنَّة رسوله.
- إن الاهتمام بالصحة الجسدية أمر مهم في الشريعة الإسلامية، ولكن لابد أن يقابله الاهتمام بالروح والنفس بالتقرب إلى الله فهي السعادة الحقيقية للإنسان.
- لا بدَّ في زمن الكوارث من نشر قيم التراحم والتعاطف بين الناس والإحسان لهم.
- عدم نشر الشائعات بل نشر الخير الذي يورِّث الطمأنينة في النفوس.
أخيراً أقول: إن هذه الجائحة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة.. ولكن إذا انجلت فماذا سيكون عليه حالنا؟!.