جَاء «كورونا»، وجَاءَت مَعه أَوجَاعه وأَتعَابه، ومَنعه وتَعليمَاته، وطَالَمَا أنَّه احتَل كُلّ هَذه المسَاحَة فِي أَوقَاتِنَا، فلَابُد أَنْ تَكون لَه نَواصيه، والأَفكار التي يُمليهَا عَلينَا، لِذَلك قَرَّرتُ -وأَنَا بكَامل قُوَاي العَقليَّة-، أَنْ أَكتُب نَواصِي كورونية، أُسجِل فِيهَا بَعض الخَوَاطِر، التي تَمرُّ فِي ذِهني؛ كُلّ يَومٍ مِن أيَّامِ العَزل المَنزلي، أَو كَمَا أُسمِّيهَا: «جَامعة العَزل المَنزلي».. وإليكُم بَعضاً مِن هَذه النَّوَاصِي، التي كَانَت مِن مُخرجَات العَزل..
* النَّاس فِي هَذه الأيَّام، تَحتَاج إلَى الدَّعم والتَّشجيع، لِذَلك مَا أَجمَل أَنْ نُطبِّق قَانون: «قُل خَيراً أَو اصمت»، وقَد قَرأتُ دِرَاسَة عِلميَّة تَقول: (إنَّ عَمَل Like وإعجَاب لأَي شَخصٍ -فِي وَسَائِل التَّواصُل الاجتمَاعي -، تَرفع هرمُون السَّعَادَة لَديهِ)..
* كُلُّ يَومٍ يَمرُّ عَلينَا الآن، هو يَومٌ ذَهبي، نَستَطيع أَنْ نُنجز فِيهِ مَا كُنَّا نُؤجِّله مُنذ سَنوَات، «أَورَاق قَديمَة، مَلَابِس مَنسيَّة، كُتب تَنتَظرنَا، علَاقَات أَهملنَاهَا، هوَايَات تَجَاهلنَاهَا، مَهَارَات نَتطلَّع إليهَا».. والسُّؤَال هُنَا: مَاذَا أَنجزتَ أَنتَ فِي هَذه العُزلَة..؟!
* فِي العَزْلِ المَنزلِي أَتذكَّر المَرضَى، والمَحرُومين والتُّعسَاء، والعَاجزين عَن الحَركَة، فأَحمد الله عَلَى النِّعم التي أزدَحِمُ بِهَا، فهُنَاك مَثَل فَارِسي يَقول: (كُنتُ غَاضِبًا، لأنَّني لَا أَملِكُ حِذاءً، ولَكنَّني عِندمَا صَادفتُ رَجُلاً بِلَا قَدَمين، شَعرتُ أنَّني رَجُلٌ مَحظُوظ).. وهَذا هو أَنَا..!
* وأَنَا أَعيش العُزلَة فِي مَنزِلي، قُلتُ لنَفسي: عِندمَا أَعمَل، أَستَطيع التَّعلُّم واكتسَاب أَي مَهَارَة إذَا كُنتُ صَديقًا لثَلاثةِ صِفَات هي: «التَّركيز، والحَمَاس، والمُثَابَرَة»..!
* مَا أَسعدنَا بهَذا الوَقت، الذي أَعطَانَا الفُرصَة للتَّعرُّف عَلَى أَنفسنَا، واكتشَاف ذَوَاتنَا، والتَّقرُّب مِن أَهلنَا، والأَهم مِن ذَلك أَنْ نُنجِز كَثيراً مِن الأَعمَال؛ التي أجَّلناهَا مُنذ سَنوَات..
* العُزلَة المَنزليَّة -التي نَعيشها الآن- تُسمَّى عِندَ العُقلَاء: (الاسترَاحَة الاستراتيجيَّة)، إنَّها تَوقُّف عَن الانشغَال بالحيَاة، لقَضَاء فَترَة مِن التَّأمُّل، ومُراجعة النَّفس، والتعرُّف عَلَى الذَّات مِن أَجل الانطلَاق.. إنَّنا نَمرُّ بالهدُوء الذي يَسبِق العَاصِفَة، «عَاصِفة الطّمُوح، عَاصِفة الحيَاة، عَاصِفة البِنَاء الذي يُلَامس علوّ السَّمَاء»..
حَسنًا.. مَاذَا بَقي؟!
بَقي أَنْ نُودِّعكُم، لنَلقَاكُم فِي يَوميَّات قَادِمَات، عَبر الجُمَل والكَلِمَات.