يمر العالم منذ فبراير الماضي بأزمة عالمية تسبب فيها وباء كورونا بوفاة عشرات الآلاف من الضحايا عالمياً، ونلاحظ بأن دول العالم التي لم تبدأ في أخذ الاحترازات لحماية مواطنيها من المرض، كانت هي أول الضحايا وأعلاها في عدد الوفيات.
وبفضل وعي حكومة خادم الحرمين الشريفين تمكنت المملكة من حفظ مواطنيها من السقوط في براثن هذا الوباء القاتل، وسخرت أموال الدولة لحماية الإنسان، وبدأت في أخذ احتياطاتها منذ شهر فبراير الماضي، وسخرت كافة وسائل الإعلام لبث روح التوعية داخل المواطنين، كما ألزمت أصحاب المحلات التجارية والتموينات الغذائية وضع كافة المستلزمات التي تخص التعقيم في مدخل مبانيها، بينما نلاحظ دول أخرى أصبحت تشتكي من نقص (المعقمات، الكمامات، القفازات البلاستيكية)، كل تلك الأشياء قامت المملكة بتوفيرها للمواطن بشكل مجاني، ودعته لأن يلتزم بأهم التعليمات وهي (خليك في البيت).
لذا قام الكثير من المثقفين والكتاب بتقديم مقالات في الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير، عن الحديث عن فضائل العزلة، التي أجبرنا عليها هذا الوباء، ومن أهمها الحفاظ على أرواح الآخرين بالجلوس في منازلنا، إذ أن الجنود الأساسيين في هذه المعركة ضد الوباء هم (رجال الصحة، وحماة الوطن من رجال أمن).. وهذا ما يستدعى نوع جديد من الثقافة يجب علينا اكتسابه، وهي ثقافة الاعتزال الجسدي، التي فرضت علينا إعادة تشكيل أنفسنا من الداخل حتى في سلوكيات التعامل مع الذات.
عرفت العزلة عالمياً بأنها عزلة الكاتب والمثقف لإنجاز نصوص أو أعمال أدبية أو عزلة روحية، ولكن تلك العزلة لم تكن مرتبطة بوسائل التواصل الاجتماعي، لذا علينا القول بأن عزلة اليوم هي عزلة الجسد عن لقاء الآخرين والارتماء في أحضان المناسبات الاجتماعية، والاجتماعات مع أفراد العائلة أو الأصدقاء، وعلينا استثمار عزلتنا الجسدية بالكثير من الارتياح الداخلي، واستثمار البرامج المعطلة لدينا بسبب المناسبات الاجتماعية، علينا إعادة تشكيل الروح في التربية النفسية منها والأسرية، وإعادة بناء قواعد نفسية متينة وتكون محصنة ضد الأوبئة البشرية التي ستحاصرنا ما بعد انحسار الوباء.