لَا أَرَى أَنَّ هَذه الأَوقَات أَوقَاتٌ صعيبَة، بَل نَحنُ نَمرُّ بمَرحَلةٍ استثنَائيَّة ومُختَلِفَة، لَهَا مَذاقهَا وأَفكَارهَا، ولَهَا سَلبيَّاتهَا القَليلَة، وإيجَابيَّاتهَا الكَثيرَة. ومِن وَحي هَذه الأَفكَار، بَدَت النَّواصِي تَتَدَاعَى إلَى ذِهنِي، كَمَا يَتَدَاعَى سِرب النَّحل عَلَى حَديقة الزّهُور، لِذَلك جَاءَت هَذه النَّوَاصِي مِن وَحي العُزلَة، أَو مِن وَحي «#جَامعة-العَزْل-المَنزلِي»، كَمَا أُسمِّيهَا:
* العُزْلَة لَا تَعنِي أَنْ تَعزل نَفسك؛ عَن أَجسَاد الآخَرين فَقَط، بَل هِي أَيضاً أَنْ تَعزِل نَفسك عَن أَفكَارِهم المُتشَائِمَة، واهتمَامَاتهم المُملَّة حَول المَرَض. إنَّني أَعزل نَفسي، وأَسقي شَجرة عُزلتي؛ مِن نَهر العِلم النَّافِع، والمَعرِفَة المُبشِّرة بالخَير والمسرَّات..!
* مِن بَركَات مَنع التَّجوُّل بِسَبَب جَائِحة «كورونا»، أَنْ جَعلَ اللَّيل سُبَاتاً، والنَّهَار مَعَاشاً، حَيثُ صَار النَّاس يَخرجون للضَّرُورَةِ القُصوَى فِي الصَّبَاح؛ فِي حدُود حيِّهم، ويَلزَمون البيُوت لَيلًا..!
* فِي بُورصة الرَّسَائِل الوَاتسيَّة، تَوَارَت رَسَائِل: «جُمعَة مُبَارَكة»، وجَاءَت مَحلّها رَسَائِل تَبدَأ بعِبَارة: «رَأيتُ مِن وَاجِبي الاطمئنَان عَليكُم»..!
* أَقْرَأ كَثيراً عِبَارة: «هَذا أَحسَن مَا كُتب عَن كورونا»، وهَذا خَبرٌ مُستَحيل التَّطبيق، ولَكن الصَّحيح أَنْ نَقول: «هَذا أَحسَن مَا قَرَأت عَن كورونا»، لأنَّ الجُملَة الأُولَى تُلزِم كَاتِبهَا؛ أَنْ يَقرَأ كُلّ مَا كُتِب عَن الفَايروس، وهَذا مُستَحيل.. أَمَّا العِبَارَة الثَّانية فهِي تُشير إلَى قِرَاءَتِك، التي قَد لَا تَتَجَاوَز ثَلَاث مَقَالَات..!
* فِي هَذه الفَترَة، تَعلَّمتُ أَنَّ الشَّكوَى والتذمُّر عَدوَى سَريعة الانتقَال، بَل هِي أَسرَع مِن انتقَال الفَايروس.. لِذَلك لَا أَسمَح لأَحدٍ أَنْ يُضيِّع وَقتي؛ بالاستمَاع إلَى شَكوَاه، إلَّا إذَا كُنَّا نَتحدَّث عَن المُشكِلَة، مِن أَجل الوصُول إلَى حَلٍّ، أَو فَضْفَضَة، أَو سَلَام..!
* فِي زَمَن «كورونا»، تَظهَر أَهميّة الضَّمير وقِيمة الأَمَانَة، حَيثُ العَمَل عَن بُعد، والتَّعليم عَن بُعد، لِذَلك يُترَك الإنسَان لضَميره، ومَن غَشَّ، فإنَّما يَغشّ نَفسه، ويَضحَك عَليهَا..!
حَسنًا.. مَاذَا بَقي؟!
بَقي أَنْ نُودِّعكُم، لنَلقَاكُم فِي نَوَاصٍ قَادِمَات، عَبر الجُمَل والكَلِمَات..!!.