· من المبكر جداً حساب خسائر العالم جراء جائحة فايروس كورونا، فلا زال الفايروس الذي أجبر أكثر من 3 مليارات إنسان على لزوم منازلهم يعبث في الأرض ويضرب اقتصادها ويعطّل مصالحها، ويغيّر من سلوكيات أهلها الغذائية والاقتصادية والاجتماعية، لدرجة انقسم معها تاريخ العالم المعاصر الى مرحلة ما قبل كورونا؛ ومرحلة ما بعد الجائحة التي أظنها الأكبر والأقسى عالمياً منذ 1918.
· في مرحلة ما قبل كورونا؛ وعندما داهم الفيروس المرعب كوكبنا المزدحم؛ لم تكن حتى الدول ذات الشوكة اقتصادياً وسياسياً مستعدة لمواجهة مثل هذا الحدث الطارئ، و هذا ما أسهم في تعطيل معظم المصالح، و ازدياد وطأة الخسائر الاقتصادية التي لم ولن ينجُو منها أحد.. لكن هذا لن يعد مقبولاً في المرحلة القادمة، فالمرحلة القادمة ستحمل بكل تأكيد تغيرات كبرى وغير مسبوقة للفكر والسلوك الاقتصادي داخلياً وخارجياً، تصحبها برتوكولات إدارية ومناهج عمل وتسويق ووقاية يحضّر لها العالم الآن، سواء وجد لقاحاً وعلاجاً للفيروس المخيف أم لم يجد.
· مرحلة ما بعد كورونا ستحمل الكثير من الفرص في رأيي لشباب الأعمال الجادين، وللباحثين عن عمل، فالخلخلة الكبيرة التي سببها كورونا ستخلق مجالاً خصباً في مجال الأعمال، خصوصاً مع ارتفاع الهواجس الصحية والوقائية والأمنية عند البشر. ولعل قطاعات الصحة والتموين الغذائي والقطاع التقني ستكون أهم المجالات التي ستشهد تغيراً كبيراً في مرحلة ما بعد كورونا شريطة أن يتم التعامل بطريقة تتناسب مع المرحلة واحتياجاتها.. ففي القطاع الغذائي لن يكون من المقبول ممارسة بعض السلوكيات القديمة في التخزين والتغليف والبيع، بل ستكون الفرصة لمن يقدم ضمانات واشتراطات صحية أكثر، وأفكاراً جديدة تتناسب مع رغبات الناس وتطلعاتهم.. كما سيشهد القطاع الطبي والدوائي حاجة كبيرة في مجال التعقيم والنظافة، وتوصيل الأدوية عبر الإنترنت، وكذلك في مجال التأمين الطبي.. أما القطاع التكنولوجي فسيكون هو الملك المتوج لكل القطاعات، وستكون فرصة الاستثمار في هذا المجال كبيرة فيما يتعلق بالتجارة الإلكترونية، والتعليم عن بعد.. خصوصاً بعد أن لعب هذا القطاع دوراً مهماً في إيصال الخدمات وتواصل البشر خلال الأزمة الحالية.
· كثير من الكيانات الاقتصادية المغلقة والمعطلة الآن لن تعيد فتح أبوابها بعد رفع الحظر.. وكيانات أكثر منها ستخرج تباعاً ان لم تغير إستراتيجياتها الخدمية وفكرها القديم.. المرحلة القادمة ستعيد خلط القطاعات تبعاً لتلبيتها للحاجات الصحية للمواطن.. والرؤية الاقتصادية لجميع دول العالم ستتغير كثيراً خلال السنوات القادمة وسيتعامل العالم بحرفية أكثر مع الأوبئة والفيروسات.
· مرحلة التعافي من آثار جائحة كورونا بالنسبة للاقتصاد ستكون أطول بكثير منها بالنسبة للإنسان.. لكنها ستكون مرحلة خصبة وحبلى بالفرص بالنسبة لمن يتفهم احتياجات المرحلة وسيكولوجيتها.