ما ستنتجه الانتخابات الرئاسية بأميركا في شهر نوفمبر ، أواخر هذا العام ، لن يقل أهمية عما ستؤدي إليه جائحة كورونا وما بعدها.. أهمية أميركا دولياً مازال يؤكدها الدولار بمكانته، والقواعد العسكرية الأميركية بمختلف أنحاء العالم، الى جانب الطائرات وغيرها من الأدوات العسكرية، التي تمكِّن الأميركيين من الهيمنة في جزء لا يستهان به من العالم، لذا سيكون من المهم ليس معرفة شخص الفائز في الانتخابات الرئاسية، بل الفكر الذي يقف خلف الفائز ، هل سيكون استمراراً للمرحلة الحالية التي تتمسك بدونالد ترمب رمزاً لها، أم أنه عودة الى فكر النظام الليبرالي العالمي الذي كان آخر رموزه الرئيس السابق باراك أوباما. وما يجعلنا، في هذه البقعة من العالم، نهتم بنتائج الانتخابات الرئاسية القادمة أن الليبراليين الأميركيين، أخذوا في مراجعة أدائهم السابق وكيفية مواصلة نهجهم بعد أن يسقطوا النظام القائم الآن في واشنطن ممثلاً بالرئيس دونالد ترمب والأغلبية الجمهورية في الكونجرس. ومن يقرأ أو يستمع الى هذه المراجعات يفاجأ بأن فريقاً من هؤلاء مازال يتحدث عن أن يكون الشرق الأوسط منطقة تجارب التغيير القادمة بثقل وتركيز أكبر.. قد لا يختلف اليمين واليسار في أميركا عن أن هدفهما هو فرض الهيمنة على العالم، ولكن أسلوب كل منهما يختلف عن الآخر. وهناك أطياف في كل من الليبراليين والمحافظين الأميركيين، بدعم أوروبي، ومنها أطياف ليبرالية تطالب بمواصلة العمل على إحداث تغيير في بلدان الشرق الأوسط لصالح (الليبرالية كما يرونها) وإن كان مع محاولة تجنب حدوث وضع مشابه لما وقع في ليبيا من انهيار كامل للدولة. مما يثير التساؤل عن الأسلوب الذي يفكر به هؤلاء لتحقيق ذلك. وساهم الليبراليون في تغيير النظام بإيران لصالح الملالي. وعندما سقط الاتحاد السوفيتي سارعوا الى توسيع الناتو متجاهلين تفاهمات واشنطن مع موسكو على عدم حدوث ذلك مما كان نتيجته بروز القومية الروسية وظهور بوتين على رأس السلطة، وتم غزو أفغانستان والعراق حيث سقطت الدولة في البلدين وفشلوا في إحلال نظام دولة في أي منهما. وهناك نقطة ضعف لدى ليبراليين أميركيين تجاه ملالي إيران وحركة الإخوان المسلمين ويعتقدون أن نظام الملالي سيتغير ويصبح نظاماً ليبرالياً إن قدمت أميركا التنازلات لحكام طهران، كما عملوا في عهد الرئيس السابق أوباما، وأنهم إذا دعموا حركة الإخوان المسلمين لتولي السلطة حيثما أمكن في العالم العربي فإن هذه الحركة ستحقق إقامة النظام الليبرالي الذي يحلم به الأميركيون. وهناك احتمال أن أحد أسباب هذا الاعتقاد هو الارتباط بين باحثين إيرانيين ومن حركة الإخوان المسلمين في جامعات أميركية مع عدد من المفكرين الليبراليين الأميركيين.
ويختلف بعض مفكري اليمين الأميركي في أسلوب تحقيق الهيمنة الأميركية عن الفكر الليبرالي حيث يقول بعضهم أنه يمكن الوصول للهدف المطلوب بدون الحاجة الى تغيير الأنظمة في كل دولة لتكون مطابقة لليبرالية الأميركية، التي يختلفون معها.. وأن عدم تهديد الآخرين سيؤدي الى كسب صداقتهم، وأن ليس من المهم أن ترضى أميركا عن أي نظام حكم بل عليها أن تتعايش معه طالما يحقق لها الهيمنة المطلوبة .ويستشهدون في ذلك بتعدد أخطاء الليبراليين ومنها سعيهم لإلحاق موسكو بالمظلة الأميركية فكان ظهور القومية الروسية ونظام بوتين وعودة المنافسة مع روسيا. وعجز المنظمات الدولية المتعددة التي أقيمت بما فيها منظمة التجارة العالمية عن تحول النظام الصيني الى نظام مشابه للأميركي وتسهيل انقياده له، بل ساعدت على تحويل الصين الى عملاق اقتصادي يسعى للهيمنة على أميركا لا العكس.
علينا مراقبة التطورات الأميركية القادمة، فبصرف النظر عن المواقف من النظام القائم الآن في واشنطن وتصرفات وتصريحات وحركات دونالد ترمب التي أفقدت السياسة الأميركية الثقل الذي كانت تتمتع به، فإن صعود جو بايدن، مرشح الرئاسة المتوقع عن الحزب الديمقراطي، الى منصب الرئيس سيؤدي الى بروز جماعات من الليبراليين، عمل بعضهم في مرحلة أوباما، وليس من الواضح حتى الآن أي طيف من الليبراليين سيدخل البيت الأبيض مع بايدن. وإن كنا نأمل أن يكونوا من المعتدلين، مثلما هو جو بايدن نفسه، ويجنبوا بلدهم وبلدان المنطقة تجارب متطرفة أخرى.