مَع قدُوم «الوَاتس أَب»، بَدَأَت تَنتَشَر رَسَائِل «جُمعَة مُبَارَكَة»، وهَذه إلَى حَدٍّ مَا مَقبُولَة، رَغم أنَّ بَعض العُلَمَاء؛ تَكلَّم حَول بِدعيَّتها، ولَكن قُلنَا نَقبلهَا..!
الأَمر الآخَر، الذي بَدَأَ يُصبح ظَاهرة فِي «الواتس أب»، أَو «السَّنَاب شَات»، أَو حَتَّى فِي بَاقي وَسَائِل التَّواصُل، هو المُتَاجَرَة بالدُّعَاءِ للآخَرين، فمِئَات الرَّسَائِل تَأتِينِي كُلّ يَوم، أَصحَابها يَدعون لِي، وهَذه بَادِرَة طيِّبَة ويُشكَرُون عَليهَا، ولَكن اتِّبَاع السُّنَّة هو الأَولَى، لِذَلِك كُلّ الأَحَاديث تُؤكِّد، أَنَّ أَطيَب الدُّعَاء، وأَسرَعه فِي الاستِجَابَة، هو الدُّعَاء لأَخيكَ بِظَهرِ الغَيب، لأنَّ فِيهِ مِن الصِّدق؛ والأَمَانَة والإخلَاص، الشَّيء الكَثير..
وحَتَّى يَكون الأَمْر فِي مِيزَانه الشَّرعِي، دَعونَا نَستَعرض هَذه الأَحَادِيث:
عَن «أَبِي الدَّردَاء» -رَضي الله عَنه- قَال: قَال رَسول اللهِ -صَلَّى الله عَليه وسلَّم-: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، إِلاَّ قَالَ الْمَلَكُ: وَلَكَ بِمِثْلٍ».. (صَحيح مُسلِم)، وفِي رِوَايَة لَه عَن «أَبِي الدرداء» مَرفُوعًا: «مَنْ دَعَا لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ، وَلَكَ بِمِثْلٍ» (صَحيح مُسلِم)..
ويَتميَّز سلُوك المُسلِم عَن غَيره، بأنَّه يُحب الخَير لإخوَانهِ المُسلمين، كَمَا يُحبّه لنَفسهِ، مِصدَاقًا لقَول النَّبي -صَلَّى الله عَليه وسَلَّم-: «لَا يُؤمِنُ أحدُكم؛ حَتَّى يُحِبَّ لأَخيهِ مَا يُحِبُّ لنَفْسِه»، (صَحيح البُخَاري)، وقَد عَزَّزت شَريعتنا الغَرَّاء هَذا المَسلَك بفَضيلة: «الدُّعَاء بظَهرِ الغَيب»، أَي الدُّعَاء للغَير وهو غَائِب، غَير حَاضِر..
هَذه الصّورَة الرَّائِعَة التي يُشَجِّعنا بِهَا رَسول الله -صَلَّى الله عَليهِ وسَلَّم- عَلَى الدُّعَاء للمُسلَمين، تَتضمَّن وَعدًا بأنَّ الخَير الذي ستَدعو بِهِ؛ لَن يَصل إلَى المَدعو لَه فَقَط، وإنَّمَا سيَنَاله الدَّاعِي كَذلك؛ لأنَّ الله الذي أَرسل المَلَكَ ليَقول: «آمِينَ»، أَرسله وهو يُريد الإجَابَة، كَمَا أَنَّ المَلَكَ يَقول بيَقين: «وَلَكَ بِمِثْلٍ»، وهَذا أَمر، لَا يُمكن أَنْ يَقطَع بِهِ الملَكَ بمُفرَدهِ، إنَّما أَخبره الله -سُبحَانَه وتَعَالَى- بتَحقُّق الإجَابَة، فصَار أَدَاء هَذه السُّنَّة الجميلَة نَافِعًا للطَّرفين: «الدَّاعِي والمَدعو لَه»..
بَل أَكَّدت الصَّحابيَّة الجَليلَة «أم الدرداء» -رَضي الله عَنهَا- لزَوج ابنتهَا «الدرداء» «عبدالله بن صفوان»، أَنَّ هَذه الدَّعوَة مُستجَابَة، فعَن «عبدالله بن صفوان» -رَضي الله عَنه- قَال: قَدِمْتُ الشَّامَ، فَأَتَيْتُ «أَبَا الدَّرْدَاءِ» -رَضي الله عَنه- فِي مَنْزِلِهِ، فَلَمْ أَجِدْهُ وَوَجَدْتُ «أُمَّ الدَّرْدَاءِ» -رَضي الله عَنهَا-، فَقَالَتْ: أَتُرِيدُ الْحَجَّ هذا الْعَامَ؟، فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَتْ: فَادْعُ اللهَ لَنَا بِخَيْرٍ، فَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله عَليه وسَلَّم- كَانَ يَقُولُ: «دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ، كُلَّمَا دَعَا لأَخِيهِ بِخَيْرٍ، قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ» (صَحيح مُسلم)..
حَسنًا.. مَاذَا بَقِي؟!
بَقي القَول: أَيُّها القَوم، يَا مَن تُرسِلُون لِي أَدعيَتكُم، عَبر وَسَائِل التَّواصُل الاجتمَاعِي، شُكرًا لَكُم، ولَكن لَا تُحرِّجوا عَليَّ أَمَام النَّاس، وتُرسِلُون لِي الدَّعوَات؛ عَبر السُّوشيَال مِيديَا، بَل اطلبُوهَا مِمَّن أَمرنَا بالدُّعَاء، وَوَعدنَا بالإجَابَة -وهو الوَاحِد القَهَّار- فَلتَكُن دَعَوَاتكُم لِي فِي ظَهرِ الغَيب.. فإنَّها أَصدَق وأَعمَق، وإلَى اللهِ أَقرَب.