الكون كله يتهيأ لليلة ليست ككل الليالي ليلة هي خير من ألف شهر تنزل فيها الملائكة والروح بأمر الله وتتجلى الرحمات ويجتهد المؤمنون لنيل المغفرة والعتق من النيران، قد لا تتكرر للإنسان مرة أخرى أن يشهد هذه الليلة وقد لا يعود لهذا الشهر في العام المقبل وربما يكون هذا آخر عهد له برمضان، الأقدار كتبت من الأزل ورفعت الصحف وجفت الأقلام.. ولكن نحن اليوم هنا في الدنيا مازال في العمر بقية وأبواب التوبة والرحمة والغفران مازالت مشرعة، إن مرت أغلب الليالي من هذا الشهر الكريم فمازال بيننا والسعيد حقًا من وفق لاستثمار بقية لياليه.
في ذاكرتي مازال عالقًا فيها خطبة الشيخ عبدالعزيز بن صالح -رحمه الله -امام وخطيب المسجد النبوي الشريف اذا أقبلت ليالي العشر وكان ليلة السابع والعشرين وهي الليلة المرجحة لتكون ليلة القدر فيقف في محراب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخطب في جموع المصلين عن العشر الأواخر وفضل ومكانة ليلة القدر التي انزل فيها القرآن والتي من الله بها على أمة سيد ولد آدم ليتعرضوا لفيض الرحمات ويقبلوا بقلوبهم خاشعين متضرعين فمن يعتق في رمضان نال الخير كله ولن يرد على النار، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ماتقدم من ذنبه، يقول الرسول الله صلى الله عليه وسلم رغم أنفه من بلغ رمضان ولم يغفر له.
هناك فرق بين الدعاء والتضرع الدعاء القلبي أحرى بالإجابة ولن يحدث ذلك والبال مشغول بأمور دنيوية زائلة، وتعلق بملهيات فانية.
ليلة القدر هي ليلة السلام والأمن والأمان والسكينة لا يحدث فيها الا كل أمر فيه خير وراحة للمؤمنين منذ بدايتها أي من مغيب الشمس الى طلوع الفجر لليوم التالي، وفضل هذه الليلة يشمل جميع أجزاء الليل دون اختصاص الثلث الأخير أو أي جزء منه فالله جل في علاه خص المؤمن القائم العابد والمستغفر لذنبه والتائب عنه بهذا السلام.
يقول جمهور العلماء إن ليلة القدر تغفر كبائر الذنوب أيضًا، كما أن من غفران الله تعالى لعبده أن يعينه على أداء حقوق العباد وإيمانه يوجب عظم الأجر والمغفرة من الله تعالى.
تحري ليلة القدر تكون في الوتر من العشر الأواخر كما علمنا رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، ولا يمكن تعيينها بليلة حتى يجتهد العباد في تحريها ويروا الله همتهم وتذللهم بين يديه فينالوا الأجر العظيم.
السماء تتجلى بنورها في تلك الليلة العظيمة وتضيء الكون كله ويعتدل الجو فلا حرارة ولا برودة، والشمس بعدها تشرق حمراء مستوية ولا شعاع فيها، القمر فيها مضيئًا والسماء صافية وتحبس الشياطين فلا يخرجون.
ليلة استجابة الدعوات وروت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقالت: (قلت يارسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة القدر ما أقول فيها قال: قولي اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني).
حتى نحقق مرادنا ونبلغ رضا الرحمن لنطهر قلوبنا من الآفات التي رانت عليها لنجدد نياتنا ونبتهل لربنا في هذه الأيام المباركة ونتخلص من أمراض القلوب من الحقد والحسد والكراهية والبغضاء، دعونا نتعلم لغات الحب والتعايش والسلام الداخلي لتعمر قلوبنا بالنور والسكينة والطمأنية ونهنأ براحة البال، حتى نلقى الله بقلب سليم، لن يكون لنا ذلك وللناس عندنا حقوق ومظلمات لم نردها لهم، لنبلغ العتق من النيران ونيل رحمات من الرحمن لنرحم الضعيف بيننا ونرد له حقه فلن يهنأ لنا عيش في الدنيا ولا سلامة ومغفرة في الآخرة وبيننا ومعنا مظلوم مقهور قد ناله ظلم منا، لنبدأ بأنفسنا ولا ندعي كذبًا وبهتانًا بأننا دومًا على حق فالنفس أمارة بالسوء فاللهم ألهمنا رشدنا ونور لنا بصيرتنا ولا تقبض أرواحنا إلا وأنت راض عنا غير غضبان ولا تبقي لأحد عندنا حقًا من حقوقه إلا أديناه حتى تطيب نفسه وتقر عينه.
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا واختم لنا بالصالحات واستعملنا فيما يرضيك عنا، اللهم اعتق رقابنا ورقاب آباءنا وأمهاتنا وأهلينا ومن أحببناهم فيك من النار ولا تحرمنا أجر قيام ليلة القدر واجعلنا في هذا الشهر الكريم من المقبولين برحمتك يا أرحم الراحمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وسيد المرسلين.