لماذا يا قوم صرنا أصدقاء الحزن كأننا خلقنا له، أو خلق الحزن لنا دون سائر خلق الله أجمعين، نمد وجوهاً عابسة مكفهرة في مرايا الأيام، نسوّد الصفحات بالمراثي والبكائيات الطوال، نسحب الليل بحبال الآهة والحسرة، ونمر على النهار مرور الثكالى، استهلكنا ما عندنا من الحزن واستلفنا أحزان الآخرين، ربيناه بيننا ولسان حالنا يقول:
و»الحُزنُ» في الأرض بعضٌ من «تميِّزنا»
لو لم نجده عليها لاخترعناهُ
ما بالنا لا ننظر إلى هذه الدنيا من زاوية ترى الجمال فتفرح له وبه؟! لماذا يمتد عمرنا بين زفرة ودمعة؟! كل ما عندنا أن نعيش مصيبة، أو نتوقع كارثة، أو نتخيل فجيعة، ونحضّر لذلك حزناً مقيماً يمشي على ساقين في دهاليز وممرات أعمارنا التي أرهقناها بالبكاء والحزن البغيض..!!
قاموسنا اليومي ارتحل هو الآخر من صفحات الفرح وسكن أضابير الحزن.. الشعراء والمغنون لا يزيدون الصورة إلا قتامة بما يقدمون من كآبة وبؤس، وكأنهم مسؤولون عن توطين الحزن، وإطالة أمد الدموع في المحاجر.. ناي يتلوى في مساحة الموتى، وصوت يتنشّر في ضفتي التعاسة، وشعر يطلي الدنيا بالوجد..
لا مكان للفرح.. ولا دار له بيننا، فهو بفعلنا صار قيمة مؤجلة مع سبق الإصرار والعويل..!!
تمر عليهم عابراً فتسمعهم يقولون «إذا كبرت..، إذا تخرجت.. إذا توظفت..» في نبرة لا ترسم أملاً، وبوجه لا تحمل تضاريسه أي إشارة بإمكانية حدوث ذلك مطلقاً..
آخرون يمضون بعيداً فيضيفون للحزن بعداً دراماتيكياً مخيفاً «الصديق عند الضيق» و»لكل حادثة حديث» و»يطلع للحرب رجال».. ضيق وحادثة وحرب..!!
فماذا بقي للفرح من مقام ليحتله، وقد ضيّقت عليه هذه العبارات واسع الدنيا ورحب الأمنيات!! لماذا ننتظر «زمن الضيق» هذا حتى نفرح بالصداقة والأصدقاء؟ لماذا نترقّب ونستدني الحوادث ليكون لنا فيها حديث؟ لماذا نسهم في الحرب بالرجال ولا نؤسس للفرح بالسلام المقيم!!
ليتنا ذهبنا مع هذا الشاعر في حديقة فرحه وبستان أمله إنه يقول:
أعلّلُ النّفسَ بالآمالِ أرقبها
ما أضيقَ العيشَ لولا فسحةُ الأملِ
إنه يعلّل النفس بالآمال، ويستهلك الفرح أملاً حتى يلقاه حقيقة.. لماذا لا نبدأ مشوار الفرح الآن؟ فالغد غير مضمون، كما يقول الخيام في رباعياته:
غَدٌ بِظَهْرِ الغيب واليومُ لي
وكمْ يَخيبُ الظَنُ في المُقْبِلِ
ولَسْتُ بالغافل حتى أرى
جَمال دُنيايَ ولا أجتلي.
حسناً ماذا بقي؟!
بقي القول أيها الناس ابقوا زوايا وجوهكم لفرح مقبل، وعلموا تقاسيمكم معنى الابتسام، وروّضوا ملامحكم للركض في مضمار السعادة، «فما أضيق العيش لو لا فسحة الأمل»!!