قبل موجة الربيع العربي ابتكرت كونداليزا رايس وزيرة خارجية أمريكا في عهد بوش الابن مصطلح «الفوضى الخلاقة» وزعمت انها ستجتاح العالم العربي لإصلاح ما أفسده الدهر في رأيها.
مر ربيع الدمار وبقي العالم العربي مضطرب ولكنه موجود بالحد الأدنى من التماسك.. مصر نجت من قبضة الإخوان، وتونس ديموقراطية تصارع التدخل التركي في ليبيا، وقطر تبذر أموال الشعب على دعم الإرهاب في كل مكان وأمريكا تغض الطرف، والآن بضاعة الفوضى الخلاقة ردت إلى منبعها في أمريكا، فأين الوزيرة رايس؟ لم تبدي رأيها في مشهد الفوضىى الخلاقة التي تجتاح الولايات الأمريكية بعد الدمار الذي خلفته في المنطقة العربية.
ومن مكر التاريخ أن ينقلب السحر على الساحر والقادم أعظم.. تسلسل الأحداث في الإدارات الأمريكية.. جورج بوش الابن ومعلمته -رايس من أصول افريقية- استشرفوا أن الديموقراطية قادمة الى الشرق الأوسط لا محالة حتى وإن كانت الوسيلة فوضى وسمتها بالخلاقة.. وأتى بعد جورج بوش الابن أول رئيس من أصول افريقية -باراك حسين أوباما- ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون التي وعدها بأن تكون أول إمرأة ترأس الولايات المتحدة الأمريكية وتقتعد المكتب البيضاوي.. ومرة أخرى انقلب السحر على الساحر.!
انتخب ترامب من خارج كواليس السياسة الأمريكية حيث لم يسبق له العمل في أي منصب حكومي وكل تجاربه كانت في مجال المال والأعمال وعقد الصفقات العقارية من فوق الطاولة وتحتها.. وكان قدومه بحق هو الفوضى الخلاقة الذي تنبأت بها الوزيرة كونداليزا رايس، وارتفع عيار الفوضى بعد جائحة كورونا ومقتل جورج لويد بشكل بشع وعمت المظاهرات والفوضى الولايات الأمريكية شرقًا وغربًا وشمالاً وجنوبًا وشاءت الأقدار انها تزامنت مع جائحة كورونا التي عمت العالم وكلفت أمريكا حتى اللحظة مائة وعشرين ألف وفاة وأكثر من مليونين مصاب.. كل هذا ولم تظهر كونداليزا رايس لتبدي رأيها في تحقيق اطروحتها حتى وإن اختلف الزمان والمكان حيث صدقت في جانب وأخفقت في جانب آخر خاصة وانها أستاذة جامعية لا يخفى عليها أهمية السبق الأكاديمي الذي يحسب لها وعليها..!
أمريكا دولة مؤسسات لديها حصانات اجتماعية في كل ولاياتها الخمسين ولكن الفوضى عندما تخرج عن السيطرة وتكون مصحوبة بعدة عوامل سلبية.. وباء يهدد صحة المجتمع تسبب في نسبة عالية من الوفيات وبطالة بالملايين.. وأزمة اقتصادية جسيمة.. وقتل وراءه نزعة عنصرية.. وسوء ادارة في القمة.. هكذا تتداعى السلبيات وتعم الفوضى ويصبح عقد السلم الاجتماعي في الولايات المتحدة الأمريكية في خطر.. حتى وإن كان الدستور الأمريكي المثالي بامتياز فريد من نوعه.. وكما قلنا في مقال سابق أنه لا أحد يستطيع مساعدة أمريكا إلا أمريكا نفسها.. وأن العالم لازال بحاجة لأمريكا.. وإن على أمريكا أيضًا أن تعدل من مفهومها لسياسة الهيمنة القطبية والتخلي عن استخدام القوة المفرطة في الداخل والخارج قبل أن تسقط الإمبراطورية من فوق عرشها..!