بات واضحًا أن تركيا بتدخلها السافر في المشكلة الليبية كانت تخطط لإقامة قاعدتين عسكريتين في ليبيا، الأولى جوية في قاعدة (الوطية) جنوب غرب العاصمة طرابلس، والثانية بحرية في مدينة (مصراته) وذلك لكي تصبح قوة مسيطرة على المنطقة، ويكون لها وجود استراتيجي يمنحها موقفاً متقدماً في مواجهة الدول الأوروبية، ويعزز كذلك من موقعها في الصراع مع جارتها اليونان، بالإضافة إلى سعيها لتحقيق الأهداف الاقتصادية، وهدف أيديولوجي ظهر حينما كانت تساند في الحرب الأهلية مجموعة حركة الإخوان المسلمين.
فعلى الرغم من أن كافة الدول، وكذلك المنظمات تدعو إلى ضرورة وقف إطلاق النار واستئناف المفاوضات، إلا أن الطرف التركي يشترط على الجيش الليبي الإنسحاب من (سرت) و(الجفرة)، لكن هذه الطموحات تبقى صعبة بعدما تدخلت مصر لتوقف هذا الاستكبار، ورسمت خطوطًا حمراء أمام تدخلات تركيا في ليبيا، وتتمثل في خط ممتد بين (سرت) و(الجفرة) أعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بأن بلاده لن تسمح بتجاوزه، وطلب من الجيش الاستعداد لتحرك محتمل، مما يعني أن مصر قد أغلقت الأبواب أمام الغزو التركي لليبيا، وبدأت أحلام (أردوغان) في الاستيلاء على أهم المدن التي تزخر بالثروات الغنية بالنفط تتبدد، فالطريق لن يكون معبدًا أمام الغزو التركي، فليبيا ليست سوريا، خاصة بعدما أصبح التدخل المصري مشروعًا وقانونيًا بموجب القوانين الدولية وبناء على طلب السلطات الليبية المشروعة.
وإذا كان (أردوغان) قارئًا للتاريخ جيدًا، فسيجد أن معركة (قونية) سنة ١٨٣٢ بين الجيش المصري في عهد محمد علي باشا والجيش العثماني لم تستغرق سبع ساعات فقط، مني فيها الجيش العثماني بهزيمة مذلة على يد القوات المصرية التي نجحت في أسر الصدر الأعظم (رشيد خوجه باشا) برفقة ١٠ آلاف من جنوده، لتفتح بذلك أبواب (الأستانة) أمام الجيش المصري،ويجب أن يتذكر أيضًا بأن إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا استطاع أن يسيطر على كل من دمشق وحلب وحمص وحماه عقب معارك طاحنة هُزم خلالها العثمانيون ليجتاز إبراهيم باشا جبال طوروس، ويتوغل في الأناضول.
لم يعد أمام (أردوغان) من خلاص إلا عن طريق إذعانه للمطالب الدولية وتوقف إطلاق النار، والانسحاب الكامل من التراب الليبي، لاسيما وأن بيان وزراء خارجية الدول العربية الأخير رفض كافة التدخلات الأجنبية غير الشرعية التي تنتهك القوانين والقرارات والأعراف الدولية، وتسهم في انتشار المليشيات المسلحة الإرهابية الساعية لنشر أفكار التطرف وتغذية العنف والإرهاب، والمطالبة -كما جاء في البند سابعًا- بسحب كافة القوات الأجنبية الموجودة على الأراضي الدولية، والتحذير من مغبة الاستمرار في العمل العسكري لتحريك الخطوط التي تتواجد عليها الأطراف حاليًا تفاديًا لتوسيع المواجهة.
الأمور لن تكون هادئة دون خروج المرتزقة من ليبيا، وحل المشكلة الليبية يأتي سياسيًا وليس عسكريًا، وبعيدًا عن (أردوغان)، وعن الذين جلبوه ليقتل أبناء شعبهم، ويدمر منشآتهم، ويستولي على آبار النفط، ويستقطع جزءًا من مساحتها لإقامة قواعد عسكرية له.
«سرت» الليبية هل تكون «قونية» التركية التي قضت على أحلام العثمانيين؟!
تاريخ النشر: 26 يونيو 2020 00:16 KSA
A A