الكتابة عن كتاب (التجربة) لمعالي الدكتور عبدالعزيز خوجة لا تخرج عن التعبير عن رأي الكاتب في الكتاب على شكل ثناء أو نقد، لكنها لا تغني بأي حال من الأحوال قراءته لمن يريد أن يتعمق في معرفة مضامينه..
ان قراءتي للكتاب عززت معرفتي وعلاقتي بالصديق الدكتور عبدالعزيز خوجة منذ عام 1977 للميلاد حينما كان وكيلا لوزارة الإعلام للشؤون الإعلامية، وكان شاهد عيان لجريمة جهيمان التي احتل فيها مع مجموعة من المجرمين المنحرفين فكريًا الحرم المكي لمدة 17 يومًا تعطلت خلالها الصلاة في بيت الله الحرام، وانتهت الجريمة باقتحام رجال الأمن الحرم المكي والقبض على جهيمان وزمرته المجرمة، وإعدامهم لاحقًا.
فعاشت وزارة الإعلام وقتها كما يقول الدكتور عبدالعزيز خوجة بين فكي كماشة، تيار الحداثة الذي كان في أوج قوته، وتيار الصحوة الرجعي في أوج حماسته، وقد تمكن تيار الصحوة من المشهد كليًا بعد حادث جهيمان.
ساهمت تلك الجريمة المفصلية في تاريخ المملكة في تعميق رؤية معاليه للإسلام السياسي الذي استخدم التأويل في تفسير النصوص الدينية واستغل نظرية «سد الذرائع» لتحويل المباحات في الإسلام الى محرمات.
وفي عام 1985 للميلاد قرر الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- تعيينه سفيرًا في تركيا، فدخل تجربة جديدة مؤثرة في حياته الفكرية، تعلم خلالها أسرار العمل السياسي التي قال عنها: «إن كل كلمة يقولها السفير محسوبة عليه، ويفهم منها انها معبرة عن بلده، وتحمل رسالة من المسؤولين في بلده سواء صدرت في لقاء رسمي أو خاص في مناسبة عامة أو اجتماعية».
في سنوات عمله في وزارة الإعلام ازدادت علاقتي به قوة، فكنت أستطيع مقابلته كل يوم إن احتجت إليه ما لم يكن مشغولا في استقبال ضيف من ضيوف المملكة أو في اجتماع مع المسؤولين في الوزارة، كما كنت أحضر مجلسه بعد صلاة الجمعة من كل أسبوع بمنزله الذي كان يضم بعض المثقفين وبعض المواطنين الذين يحضرون لتقديم طلباتهم، فيرحب بهم ويلبيها لهم كلما كان ذلك متاحًا.
لقد عرفت معالي الصديق الدكتور عبدالعزيز خوجة مدة زمنية تجعلني أرى بشكل واضح ملامح شخصيته الفريدة تساعدني على تلخيصها كمايلي:
* أن من أجمل أخلاقه بره بوالديه -رحمهما الله-.
* انه شاعر لا تمنعه مشاغله التربوية والإعلامية والسياسية عن معانقة محبوبته ألا وهي الشعر، فأصدر عددًا من الدواوين، وقامت صحفنا المحلية باختيار بعضها ونشرها، تعبيرًا عن إعجابها بقصائده.
* جمع أو عمل في ثلاث مهن مهمة جدًا، وهي: التربية والإعلام والسياسة.
* أسلوبه في الكتابة النثرية سهل وواضح، ولا يقل رشاقة وجمالا عن شعره.
* عرفت كثيرًا من البشر في الشارع والمدرسة والمقاهي والجامعة والعمل الصحفي والمجالس الأدبية والثقافية فما وجدت مثيلا له في سمو أخلاقه، شخصية رقيقة، ناعمة، متواضعة، خجولة، خدومة.
* حينما أراه أو يخطر على بالي الدكتور عبدالعزيز خوجة أقول بكل ثقة واطمئنان: هذا ملاك يعيش بيننا.
في الختام أرجو الملاحظة بأن مقالي هذا عن شخصية مرموقة تقاعدت عن العمل، بعيدة عن الأضواء، لكنها قريبة جدًا من القلوب، التف الناس حوله أكثر من أيام عمله كوزير للإعلام.