لا يخفى على اللغويين والمؤرخين أن المملكة هي مهبط الوحي ومهد العربية كونها تقع في قلب الجزيرة العربية ما جعلها الموطن الأول للعرب الأقحاح البعيدين عن مواطن الأعاجم، والقبائل العربية التي احتج النحاة الأوائل بلغاتها جميعها كانت مواطئها ما يطلق عليه اليوم: المملكة العربية السعودية، وتحضرنا هنا دون شك رواية مهمة عن أصول الاحتجاج اللغوي عند النحاة الأوائل تقول: إن الكسائي حين لقي الخليل بن أحمد وجلس في حلقته قال للخليل «من أين أخذت علمك هذا؟ قال: من بوادي الحجاز ونجد وتهامة فخرج الكسائي إلى البادية وأخذ يسائل العرب عن لغتهم ويكتب عنهم ما يروونه».
وما يهمنا في هذه الرواية أن البصريين من النحاة ويمثلهم الخليل، والكوفيين ويمثلهم الكسائي أخذوا علوم العربية وشواهدها كلها من الحجاز ونجد وتهامة وهي (المملكة العربية السعودية اليوم)، ولابد من الإشارة إلى أن المملكة هي أول دولة عربية تضع صفة (العربية) في اسمها الرسمي بين سائر الدول العربية التي حذت حذوها بعد استقلالها، ونص النظام الأساسي للحكم في المملكة على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للمملكة وتوالت المنجزات والمبادرات في المملكة منذ تأسيسها حتى اليوم في نصرة العربية وتمكينها وتعزيزها في الإعلام والتعليم وشؤون الحياة كافة.
وقد نص النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية في مادته الأولى كما أسلفنا على أن «المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة، دينها الإسلام ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولغتها هي اللغة العربية وعاصمتها مدينة الرياض».
وهذا النص الدستوري على اللغة العربية يعطي لها قوة قانونية ملزمة في كل الأنظمة والتعليمات بحيث تكون واجبة التنفيذ، ومن ثم يجب التمكين لها وحمايتها وفرض عقوبات على المخالفات المؤدية إلى عدم احترامها والتراخي في تطبيق الأنظمة والتعليمات الصادرة بشأنها، ولا غرابة في ذلك، فالمملكة العربية السعودية هي منبع العربية ومهبط الوحي كما أسلفنا، ولذلك نجد الاعتزاز بها والعمل على نشرها هو الأصل منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله- حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله-، الذي أكد في أكثر من محفل أن المملكة جعلت اللغة العربية أساسًا لأنظمتها جميعًا، يقول حفظه الله: «بلادنا المملكة العربية السعودية دولة عربية أصيلة، جعلت اللغة العربية أساسًا لأنظمتها جميعًا، وهي تؤسس تعليمها على هذه اللغة الشريفة، وتدعم حضورها في مختلف المجالات.
إن لغتنا العربية لغة حضارة وثقافة وقبل ذلك لغة الدين القويم، ومن هنا فإنها لغة عالمية كبرى شملت المعتقدات والثقاقات والحضارات ودخلت في مختلف المجتمعات العالمية وهي مثال للغة الحية التي تؤثر وتتأثر بغيرها من اللغات.
نصيحتي الخالصة لأبنائي الشباب وبناتي الشابات أن يقبلوا على تعلم اللغة العربية ويتفننوا في استخدامها فهي لغة دينهم ووطنهم وآبائهم وأجدادهم وهذا لا يتناقض ولا يتعارض مع تعلم اللغات والعلوم الأخرى في مجالها الخاص».. (انتهى كلامه يحفظه الله).
ولإبراز جهود المملكة في خدمة لغة القرآن، خصص مركز التميز البحثي في اللغة العربية بجامعة الملك عبدالعزيز الجلسة الافتتاحية لندوة «تجليات التراث في الدراسات النقدية والأدبية والبلاغية المعاصرة» لإبراز جهود المملكة في خدمة اللغة الشريفة من خلال ورقتين علميتين، إحداهما خصصت لعرض جهود المملكة في الخارج، وأعدها وقدمها الدكتور عبدالله الوشمي الأمين العام السابق لمركز الملك عبدالله الدولي لخدمة اللغة العربية، والأخرى تناولت جهود المملكة في خدمة العربية في الداخل، وأعدها وقدمها كاتب هذه السطور.
وقد انعقدت هذه الندوة العلمية الكبرى عن بعد وافتتحت يوم الأحد 7 /11 /1441هـ، وشارك فيها ببحوث علمية رصينة باحثون وباحثات أعلام من المملكة، وعدة دول عربية أخرى، بإشراف ومتابعة الأستاذ الدكتور عبدالرحمن بن رجا السلمي المشرف على المركز، ورعاها الأستاذ الدكتور يوسف التركي وكيل جامعة الملك عبدالعزيز للدراسات العليا والبحث العلمي، ويمكن اطلاع المهتمين على كل جلساتها من خلال قناة المركز على اليوتيوب.