أبريل 2002، صعدت الطائرة لتحقيق حلم طال انتظاره، قرار وضعت له خطة مدروسة من كل الجوانب إلا جانب واحد لم يكن في القائمة، لم أتوقع تلك المشاعر الحزينة لفراق بلدي وأهلي خاصة والدتي رحمة الله عليها.. مشاعر لا توصف من الحزن تلاشى فيها الحلم، بديت وكأني مغصوبة على السفر.. سبحان الله كيف تؤثر الحالة النفسية على السلوك وخاصة الإدراك الذي من خلاله نتعرف على العالم الخارجي فالحزن يشوش رؤيتك لما حولك..
أذكر أني من شدة الحزن كنت أرى جمال أمريكا، تلك الدولة التي طالما حلمت أن أدرس فيها منذ أول زيارة لها وأنا طفلة لم أتجاوز السبع سنوات، وكيف كنت أترجى والدي رحمة الله عليه أن يتركني أدرس مع أخي الكبير وبقية أفراد الأسرة المبتعثين في تلك الفترة.
مشاعر لا توصف كنت أكتمها عن زوجي الداعم لي وعن أبنائي، محدثة نفسي «كيف جننت واتخذت هذا القرار» كل ما يحيط بي حزين.. ما أقبح الفراق وما أقبح الحياة بعد فراق من نحب.. عرضت شريط حياتي أمامي وكيف تعبت حتى وصلت لهذه المرحلة.
أصبر نفسي بكلمات من والدتي رحمة الله عليها «لن تبلغ العلياء حتى تلعق الصبرا» قررت أن أخوض التجربة فعلا.. بعد أسبوعين من وصولنا تغير الاستقرار الفكري قليلا وبدأت الأمور تهدأ داخلي وأتقبل مرارة القرار.
إن الراحة النفسية التي كنت أسعى أن أحققها لنفسي ولعائلتي كانت مطلب أساسي، لذلك كان القرار سريعًا في أن أتعايش وأتأقلم مع الحياة الجديدة وأحقق الهدف.. وبدأ مشوار الغربة بحلوه ومره.
الحياة في الغربة تغيرنا كثيرًا فنرى أنفسنا والعالم الذي نعيشه بصورة مختلفة.. اعترف انها من أصعب التجارب التي نعيشها ولكنها الأفضل متعة وإثارة لتكون شخصًا أفضل.. في الغربة التزامات لم أتعود عليها من قبل أجبرت على تعلمها أولها قيادة السيارة، التسوق، مواعيد الفواتير، الاعتناء بالأبناء وحدي.. نعم شعور رائع ومهارات قيمة.. هناك تتحول أولوياتك وتعيد ترتيب احتياجاتك ومستلزماتك.
كل شيء من حولي جديد، الطقس مختلف تمامًا ستكون هناك أيام ممطرة.. خريف ثم شتاء أبيض: الثلوج المتراكمة والأعاصير الثائرة.. تجارب الغربة أو القصص التي تعيشها تقتل فيك أشياء لا تدري أنها ماتت إلا بعد رجوعك إلى وطنك.