* إن لم تكن شركات التقنية الكبرى «أمازون» و«أبل» و«فيسبوك» و«جوجل» هي أكبر شركات العالم اليوم فإنها من أكبرها وأكثرها ثراء وتأثيراً في الناس.. ليس لأنها تعمل في القطاع الأكثر ازدهاراً وربحية على ظهر الكوكب فحسب؛ بل لأنها تتاجر أيضاً في أشياء أكبر مما هو معلن؛ وأكثر مما تتخيل بكثير!. تجارة العميل فيها هو أنت.. والسلعة هي أنت أيضاً!.
* يكشف الدكتور (سكوت جالاوي) الأستاذ في جامعة نيويورك خطورة شركات التكنولوجيا الكبرى على المجتمع، وكيف حوّل رجل مثل (مارك زوكربيرج) شركة «فيسبوك» إلى ديكتاتورية مستبدة، تتاجر بالمشاعر البشرية، وتجمع المعلومات عنّي وعنك لتبيعها لمن يدفع أكثر، متهمًا هذه الشركات وشبكات التواصل الاجتماعي الخاصة بها بأنها من أهم أسباب انتشار (التضليل) و(الكراهية) والأمراض النفسية في العالم. (جالاوي) الذي يُدَرِّس التسويق الرقمي لطلاب الماجستير، سبق وأن أصدر كتاباً اسماه «الأربعة»؛ يشرح فيه كيف أصبحت الشركات آنفة الذكر أكثر الشركات تأثيرًا وربحاً وخطراً على وجه الأرض.
* لاشك أن مواقع التواصل التي تعرف معلوماتي ومعلوماتك الشخصية والاجتماعية والمالية واللوجستية أيضاً تتغذى وتنمو وتربح المليارات على حساب مشاعرنا وتفاعلاتنا الإنسانية (غضبنا، فرحنا، حزننا، نجاحنا، اخفاقاتنا.... الخ) إنها تجارة بالمعنى الحرفي للكلمة، لذا تميل سياستها نحو التأجيج والمحتوى المثير للجدل والإثارة، فكلما زاد تفاعل الناس زاد ثراؤها وتعاظمت قوتها.. هل لاحظت كيف كان تأثير (الفيسبوك) خلال (حفلات الربيع العربي)؟ وكيف استغلت جائحة (كوفيد 19)؟ إن الركود هو عدوها الأول، وكلما زاد الهيجان العام زاد التفاعل الشعبي وزادت الأرباح.
* لا تقف خطورة وسائل التواصل عند إتاحتها الفرصة للأشخاص الذين لديهم وجهات نظر سيئة وخطيرة ومؤذية فقط، فالأخطر أنها أوجدت بيئة متكاملة وخصبة لنمو ورعاية وحماية كل ما هو مثير للتحريض وتأجيج الغضب والجدل، وتضخيم بعض القضايا حتى وإن كانت زائفة ولا تستحق منحها هذه المساحة؛ مما تسبب في خلق حالات عامة من التوتر والقلق بين الناس، فهم يعلمون أن البشر لديهم نزعة عنصرية وطائفية، وعندما يقول البعض أشياء تعد مثيرة للغضب فإننا نميل إلى الانخراط معهم.
* يشير موقع الصحة النفسية الأمريكية (APA) إلى أن المراهقين الأمريكان من سن (15-21) عامًا يعانون من إعتلالات نفسية كثيرة وخطيرة، سببها وقوعهم تحت الضغط النفسي لأخبار هذه المواقع والتوتر الناجم عنها.. ويضيف الموقع أن تسعة من كل 10 مراهقين يعانون من هذه المشكلة في الجيل الحالي، بينما لا تزيد في الجيل السابق عن 20% فقط، أما الجيل الأسبق فلم تصل النسبة إلى 3% فقط.
* التأجيج، التضخيم الإعلامي، المعلومات المضللة، مشاعر البشر ومعلوماتهم الشخصية هي سلع هذه المتاجر التي تدخل كل بيوت العالم اليوم.. العجيب أنه كلما انكشفت فضائح إحداها، ارتفعت أسهمها وازدادت قوتها وشراستها.. وأرباحها أيضاً!.