- تفضل.
- شكراً جزيلاً.
- العفو.. الله يعطيك العافية.
هذا ليس حواراً متخيلاً، بل حدث حقيقي كنت طرفاً فيه وأنا أتسوّق مؤخراً. كان الطرف الآخر (البائع) فتاة سعودية ذكية ومهذبة.. أقول ذكية لأنها -بمهارتها التسويقية- كانت خلف خروجي سعيداً مغتبطاً أفكر في العودة للمحل ذاته مرة أخرى، كما كانت خلف كتابة مقالي هذا تسويقاً وتقديراً. لن أذكر اسم المحل بطبيعة الحال.. الرقيب سيمنعني، والقارئ سيظن الظنون بي. لكنها والله حقيقة.. فرغم أني خرجت من المحل برصيد مادي أقل، لكن رصيد التفاؤل كان أثرى وأجلّ.
سيتساءل بعضكم عن هذه المقدمة الدرامية لحدث عابر ويومي (قد يُرى بسيطاً ومعتاداً).. ومعكم كل الحق. لكن العبد لله رآه واجباً من واجباته، أن يتقدم بالشكر لتلك الفتاة (السعودية) ولكل شابة وشاب (سعودي) يعمل في مجال الخدمة الجماهيرية العامة والخاصة، ويكون بشوشاً مهذباً يقدم للمستفيد الخدمة بمهنية وترحيب لائقيْن.
نعم.. يمكن القول إن مشهد الشاب والشابة السعودية ممن يعملون في المحلات التجارية والأسواق أصبح طبيعياً وروتينياً، وهذا يبعث على البهجة والتفاؤل. لكن الواقع -من زاوية أخرى- يقول إن هناك ظاهرةً سلبية واضحة ومنتشرة بين (كثير) من هؤلاء الذين أتيحت لهم الفرصة للعمل في هذه النوافذ، تلك هي الجفاف والجفاء وسوء الأدب مع الجمهور. هذا ليس هجوماً عشوائياً مرتداً، لا.. هذه حقيقة أصبحنا نواجهها بشكل يومي، تدخل السوق فينهرك رجل الأمن بلغة آمر مستبد: (عقم يديك.. والبس قفازاً). فتنتفض ويدبُّ الخوف بين ضلوعك. تدخل إلى أول محل للشوكولاته.. هو محل شهير جداً جداً.. يقدم -كما يقال- ألذ أنواع الحلوى العالمية.. تقف منتظراً لدورك.. فتناديك المسؤولة، وكأنها قبضت عليك متلبساً، وتأمرك كما يفعل رجل الأمن: (روح أوقف هناك في ذاك الصف!! وأنت تعال هنا). هكذا.. بصوت أجش ونغمة أمر لا تخلو من تقريع.. أعني هكذا من دون: (لو سمحت.. أو ممكن تتفضل.. شكراً جزيلاً).
تقف مغلوب الأمر مطأطئ الهمة.. وحين يأتي دورك، تجد فتاة (سعودية أخرى).. تطلب منها ما تطلب، فتقدم لك ذلك دون أن تقول لك شكراً.. (هذا أمرٌ لا تحلم به طبعاً)، لكنك تقول لها شكراً جزيلاً، فلا ترد عليك. (أحياناً أكرر شكراً عدة مرات، دون عفواً واحدة ولو جبر خاطر).. سأكون صادقاً هنا: من خلال تجاربي الخاصة هذه مسألة منتشرة بين البائعات والموظفات السعوديات بكثرة، بعضهن لا ترد السلام.. ولا تطعم الطعام... ولا... تعرفون البقية.
نحن نتحدث هنا عن مسألة أخلاقية، عن ثقافة التأدب، والتواصل المتحضر.. حين لا تردين بأدب، وحين تخلو لغتك من عبارات (شكراً، وعفواً، وأهلاً وسهلاً، وعذراً...) فهذا يعني أنك تحتاجين لإعادة النظر لمستوى تأدبك وتحضّرك. كما أن العمل ثقافة، والبيع خصوصاً مجال يعتمد على التسويق والظهور المناسب أمام الجمهور. كما يستحق الموظف البائع الاحترام والتقدير، فإن العميل يستحق أكثر من ذلك. من حق العميل أن يشعر بأنه مقدر يُعامل كإنسان.. إذا سلّم ترد عليه التحية بأحسن منها، وإذا اشترى يُشكر ويثمّن تعامله، وإذا سأل يجاب عن كل ما يسأل بأدب وتقدير. هذه أمور ليست جديدة، ولا مستحيلة: رطّبي لسانكِ -أختي البائعة ومديرة المحل- بعبارات مثل: (لو سمحت «بكسر التاء وفتحها») و(شكراً جزيلاً)، و(الله يعطيك العافية)، و(أبشر»)، و(عفواً... عفواً.. هل هذه كلمة جديدة في قاموسنا؟!) وبقية القائمة التي تطول في معجمنا اللغوي المهذب والعريق.
كما أقترح على كل من يقدم خدمة تجارية، ويوظف سعوديين وسعوديات التالي:
- تقديم مطوية تضم عبارات التحضر والتأدب التي يجب أن تجري على لسان الموظفات والموظفين.
- رصد مكافآت خاصة أو عقوبات للموظفات بناء على تعاملهن.
- التأكيد على كل موظف وموظفة.. أننا لا نشحت منهم ومنهن.. وأن حسن الخلق والتهذيب في التعامل والقول هو أساس كل عملية بيع وشراء.. بل أساس كل عمليات الحياة.. شكراً لتلك الموظفة التي دفعتني لكتابة هذا المقال.. وحسبي الله على الأخرى (القفل) التي نشّفت ريقي.. دون أن تتنازل بكلمة «عفواً».