معظم البشر حول العالم يعيشون في المدن، وإحدى أهم خصائصها هي الكثافات السكانية المرتفعة نسبة إلى التجمعات السكانية الأخرى.. لذا، فهناك صعوبة طبيعية في تطبيق التباعد الاجتماعي كإحدى أهم وسائل مكافحة جائحة الكورونا والتي تتلخص في مبدأ «وخّر».. بمعنى «بعّد» تفاديًا لنقل الجراثيم.. ومن الطرائف أن هذا المبدأ منتشرًا عالميًا لمقاومة المرض بطرق ومستويات لا نتخيلها، واخترت لكم الأمثلة التالية: في عالم النحل نجد التنظيم المذهل وترتيب شؤون الخلية المحكم من احضار الشمع من البساتين، وتخزينه، وهندسة إنشاء عناصر الخلية، وإدارة درجة حرارتها، والعديد من المهام الأخرى الإبداعية.. وتقوم الفرق المتخصصة من تلك الحشرات الرائعة بالعمل بدون ملل او كلل.. وبين كل حين وآخر، تقوم إحدى أعضاء فرق إحضار الرحيق الى الخلية بارتكاب مخالفة كبرى.. تشرب كمية كبيرة من الرحيق ولا يكتمل هضمها مما يسبب التخمر للسكريات بداخل بطن النحلة وتحويلها لمادة مسكرة.. ويتسبب ذلك في إيجاد نحلة «مسطولة» أعزكم الله. ولا يخفى على زميلاتها سلوكها غير السليم سواء في تحليقها، أو هبوطها، أو محاولة دخولها الى الخلية. الشاهد أن النحل الحارس للخلية لا يسمحون بذلك ويطردون النحلة المخالفة، وإن اضطر الأمر، يقومون بعقابها بطريقة رهيبة فيكسرون أرجلها، وهذا من الأمثلة القاسية على التباعد الاجتماعي. يطبقون مبدأ «وخر» للمخالفين الذين يمثلون المخاطر للكثافات الكبيرة بداخل الخلية...وفي خضم الحديث عن مجموعات المخلوقات الاجتماعية الإبداعية، فلابد من ذكر آليات مجتمعات النمل.. عندهم أيضا آليات للتباعد الاجتماعي في حال تفشي الأمراض.. تعمد المخلوقات المصابة بممارسة التباعد الاجتماعي الطوعي بالابتعاد عن المجموعات الكبرى حرصًا على عدم نشر الأمراض، والحفاظ على صحة المجتمع.. وسبحان المدبر المبدع. ولكن الموضوع لا يقتصر على الحشرات الاجتماعية فحسب، فحتى في العديد من الكائنات البحرية نشهد آليات التباعد.. تنتشر سلوكيات البعد الطوعي أو الاستبعاد عند مجموعات كبيرة من الأسماك بأحجامها المختلفة.. ومن أغربها بعض أسماك الزينة الصغيرة التي تلجأ الى عزل نفسها عند اصابتها بالأمراض.. تبقى في مناطق معزولة حتى وان كانت بداخل بيئة محدودة.. يعني تخيل حتى في حوض السمك الصغير نسبيًا، نجد مقولة «وخّر» للأسماك المريضة أو تلك المشتبه بأنها مريضة، ويتم تطبيق آليات التباعد لحماية المجموعة وسبحان الخالق المدبر.. وهناك آلاف الأمثلة الأخرى الرائعة على تطبيق المبدأ لحماية مصالح المجموعات، وسأذكرها في مقالات قادمة بإرادة الله.
أمنيــــــــة
غيّر التباعد الاجتماعي حياتنا خلال الأشهر الماضية، والغالب أنه سيستمر لفترة والله أعلم.. ومن الصعب أن نتخيل أننا لسنا المخلوقات الوحيدة التي تمارس التباعد، كل بطرقه المختلفة فسياسة «وخّر» تمارس ملايين المرات يوميًا. أتمنى أن نستفيد من دروس ذلك التباعد، وأن نخرج من هذه الأزمة بخبرات تجعلنا أقوى من ذي قبل بمشيئة الله، وهو من وراء القصد.